أيلا – ضيعناك وضعنا معاك!؟ كتب : أبوفاطمة أحمد أونور
أفادني أحد وزارء والي الثعر حينها د.محمد طاهر ايلا، أن الوالي سمح له بزيارة للخرطوم بعد جهد جهيد لقضاء بعض الاغراض ، ولكن بعد خروجه فرحا استدعاه الوالي ، وطلب منه تغطية فعاليات اخري في العاصمة استلمت الولاية دعواتها (ورشة، مؤتمر، منتدي، منبر،…..) ووطلب منه خمخمة اوراقها، الشاهد في الحكاية أن اي واحدة من تلك الفعاليات لا يعتد بها ايلا ولا يضيع فيها زمنا ومالا وهي التي ظل يغطيها فريق VIP بقيادة وزير ولائي واركان حربه من مدراء الادارات وتفتح لها الخزائن علي مصراعيها، لكن في منهج أيلا هذه الفارغات لا تمر عليه طرفة عين لا لأنه إقتصادي شاطر ولا لكونه سياسي محنك وأنما لأنه تاجر مقرم وشفت سوق واقع من السما ألف مرة، وهذا هو بعض من سر نجاحه، فضلا لاكتسابه المقدرة علي مواجهة الخصوم وملاكمة اللوبيات وتدمير اوكار عصابات السياسة، هكذا استطاع الرجل توفير اموال طائلة كانت تذهب للجيوب الساسة من ذوي الحاجات الخاصة، فالرجل لا يجامل في المال العام ولا يري حرج في التعامل المباشر مع سائقي البكالن ومراقبي اللوادر في مواقع التنفيذ ويأكل معهم الفتة لا للتواضع فحسب وانما طمعا في معرفة أسرار المهنة وسبر دقائق الامور والمطابقة بين الورق والحقل بغية رصد اي صرف غير مطابق لقوائم منصرفات العمل، ما جعل اصغر عامل ينتابه احساس بانه مراقب من قبل ايلا مباشرة، فشخص بهذه الهمة والديناميكية كان لابد أن يترك بصمات فوق العادة لم يحس بها المواطن الا بعد زوال نعمتها في ظل الثورة حيث إنقلبت الموازين رأسا علي عقب، فتحول الثغر من تحفة سياحية الي مذبلة سياسية وانفرط عقدها الحضري والصحي والاجتماعي والامني والديواني، ما جعل مقولة حليييييييل ايلا حاضرة في القلب والعين والانف وفي جميع الجوارح قبل اللسان!!
إذن لم يكن استقبال ايلا بهكذا حشود عميانها شايل المكسر إلا هروبا من ما وصلت اليه مطلق الاوضاع من مآسي وإلتماسا لأوضاع ما قبل الثورة التي لو كان الغيب متاحا بأنها ستكون بهكذا تراجيديا لما ثار الثائرون، وبالأخص في الشرق الكسيف والحزين من تنمر الثورية عليه بمصادرة موارده المعدنية وإراداته المينائية وتدمير موانية وإستباحة سواحله وتهميش بنيه في كل مفاصل الدولة السيادية والوزارية والمؤسسات والهيئات النواصي بنسب إقصائية تستحي منها جداول الكتاب الأسود !!
فقد إستقبلت الجماهير أيلا ولعلها كانت نادمة عليه وادركت اخيرا بأنه لو أمهل سنة واحدة في رئاسة مجلس الوزراء لأنجز أضعاف ما كانت تحلم به لجنة ازالة التمكين ولإقتلع جزور الفساد الانقاذي لأن أبا القدح يعرف كيف يعض أخاه !!؟؟
وعليه نعتقد بأن العبرة من الاستقبال الحاشد وغير المسبوق لرمز شمولي، وكوز انقلابي، معادي للزحف الثوري، فإن كل هذه المصطلحات الشاعرية لم تعد مبرئة للذمة السياسية في نظر المواطن، لا لأنه جاع فأكل من ثدي حريته وأنما فقد الثقة في الثورة التي لم تمتلك الحد الأدني من الارادة لانزال شعاراتها علي ارض الواقع، وأن إطراب الأذن بشعارات براقة لا يعفي عرابيها من بلوغ البلاد لحالة السيولة غير المطاقة في جميع المحاور، لذلك فان المواطن الشرقاوي الذي ثار ضد نظام أيلا لم يجد أدني حرج في استقباله المشهود مستدعيا في اللا شعور مضمون هتافات جزاري سوق الخرطوم في عهد أكتوبر عند استقبالهم للفريق عبود بهتافات (ضيعناك وضعنا معاك!!)
العبرة الاخري من استقبال ايلا، أكدت بان شفاهة الحنك السنين للساسة لم يعد يجتذب الجماهير التي ملت وطمت من فصاحة الخطاب السياسي وانما فقط تريد لغة البيان بالعمل، والدليل ان أيلا ليس ممن تحفظ لهم قواميس السياسة جملة مفيدة من خطبة رنانة، ولكن علي النقيض ممن تنطبق عليهم حرفيا لا سياسيا، مقولة:(الشوارع لا تخون) حيث تحتفظ له بمدونات ميدانية علي إمتداد آلاف الكيلومترات المرصوفة في البنادر والبوادي ويشهد له الشجر والحجر والبشر، لذلك يجب أن يدرك الساسة ضرورة تغيير الخطاب اللفظي الممل الي هكذا خطاب أيلاوي حقلي ملموس !!