– إبراهيم شقلاوي
كما نعلم بدأت الأجواء متوترة عقب عودة وفد الحكومة من مباحثات جدة مع وفد الولايات المتحدة الأمريكية.. والتي انخرطت بعدها الحكومة في سلسلة من الإجتماعات واللقاءات مع عدد من أعضاء السلك الدبلوماسي فيما فهم أنها بدأت تعد لمعركة دبلوماسية قادمة حيث إلتقى عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق إبراهيم جابر سفراء كل من روسيا والصين وقطر .. وقدم لهم شرحاً حول الأوضاع والجهود التي تقوم بها الحكومة السودانية من أجل إحلال السلام والإستقرار بالبلاد.. وحدثهم عن الدعوة الأمريكية لمفاوضات السلام بجنيف..و مخرجات اللقاء التشاوري بين الوفد الحكومي والوفد الأمريكي الذي جرى بجدة كذلك أكد لهم استعداد السودان لإعداد خارطة طريق لتنفيذ اتفاق جدة ومن ثم مناقشة رؤية السودان لإستئناف أي محادثات من شأنها الوصول إلى سلام.. بحديث جابر عن اعداد خارطة طريق لتنفيذ اتفاق جدة ربما تكون أولى الإشارات الذكية التي أرسلتها الحكومة عبر هذا الثلاثي الذي يمثل دول ظلت حليفة للسودان ويمكنها تغيير المعادلة إذا تدخلت بصورة مباشرة في أمر إيقاف الحرب.. وفي ذلك إشارة إلى إمكانية دعم منبر جدة بدول يثق فيها السودان أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية.. كذلك إجتمع الفريق كباشي عضو السيادي ونائب القائد العام للجيش بعدد من السفراء منهم سفير المغرب وماليزيا.. وأطلعهم على ذات التطورات معلنا عن ذات الموقف الذي قال به جابر .. وحتى يبدو أن هناك أنسجام مواقف بين السيادي والوزراء إجتمع أيضا مجلس الوزراء حيث أكد رئيس المجلس وزير شئون مجلس الوزير المكلف عثمان حسين في إجتماع مجلس الوزراء الإتحادي بعد استماعهم لتقرير رئيس وفد المباحثات أبو نمو معلنا تمسكهم بمخرجات اتفاق جدة والتأكيد على انفتاح السودان للحوار تأسيا على ذلك.. وحتى تبدو الحكمة متمسكة بموقفها جاء أيضا خطاب الرئيس البرهان بمناسبة عيد الجيش الذي تزامن مع انطلاق المفاوضات بالإعلان الواضح عن موقف الحكومة السودانية : لن نساوم أو نهادن في حقوق الشعب المشروعة في استعادة الأمن والاستقرار والقضاء على العدوان الغادر مهما بلغ حجم التضحيات كذلك أكد على أن طريق السلام أو وقف الحرب واضح وهو تطبيق ما اتفقنا عليه في جدة في مايو 2023.. و لا وقف للعمليات بدون انسحاب وخروج آخر مليشي من المدن والقرى التي استباحوها واستعمروا أهلها.. لا ننسى زيارة وزير الخارجية السوداني حسين عوض الي ماليزيا وتسليمه رسالتين من الرئيس البرهان لملك ماليزيا ورئيس وزرائها وحديثه عن أن أي حديث للسلام في السودان بعيدا عن ماتم الاتفاق عليه في منبر جدة يعتبر حديث غير جاد للوصول لحلول مرضية للشعب السوداني ولحكومته.. كل ذلك النشاط التسارع الذي قامت به الحكومة السودانية مثل ضغطا جيدا على الوساطة الأمريكية.. فقط كان ينقصه خروج الشعب السوداني في تظاهرات معبرة عن هذا الموقف لولا الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد لمثل ذلك فارقا معتبرا لدى المحيط الإقليمي والدولي.. الذي يهمنا الآن هو أن الموقف السوداني ظل واضحا مسنودا برغبة الشعب في السلام العادل الذي لايعيد إنتاج الأزمة أو تعود بموجبه قوات الدعم السريع المتمردة إلى الساحة السودانية من جديد في أي مستوى من مستويات الحكم.. بعد كل هذه الجرائم الإنسانية التي ارتكبتها هذه القوات في حق الشعب السوداني..التي وصفت بأنها جهادية أخرى في إشارة إلى حروب الخليفة عبد الله التعايشي في القرن الماضي ضد أهل الوسط والشمال في السودان والتي مازالت شاخصة في ذاكرة تلك المناطق.. من ناحية أخرى وعلى ضو ذلك مضت الولايات المتحدة الأمريكية في إقامة مؤتمر جنيف بمن حضر.. وكان بيريلو حسب وكالات قد أعلن بدء الجلسة الافتتاحية مع الشركاء الدوليين والتقنيين الممثلين لتلك الدول والمنظمات الدولية والاقليمية، بالتركيز على ضمان التزام الأطراف بتعهدات جدة وتنفيذها، وأن يحترم المتحاربون القانون الإنساني الدولي ويسمحوا بدخول المساعدات الإنسانية، ووقف اطلاق النار.. هذا الحديث الصادر من المبعوث الأميركي يوضح إشارة واضحة إلى الالتزام بالتأسيس على منبر جدة وما نتج عنه من إتفاق متعلق بالترتيبات الأمنية والانسانية.. و لتأكيد ذلك أيضا صدر بيان مشترك عن مفاوضات جنيف تبنته كل من الولايات المتحدة، وسويسرا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة.. تعهدت بالعمل بجد في سويسرا وبذل المزيد من الجهود الدبلوماسية المكثفة لدعم السودان من أجل ايصال الإغاثة، ووقف الأعمال العدائية، وتنفيذ نتائج اجتماعات جدة، بجانب الامتثال للقانون الإنساني الدولي..إذا نحن امام موقف واضح من جميع الأطراف تتوقف عليه الخطوة التالية.. المنتظرة من الحكومة السودانية.. هل ما أعلن يعد كافيا لانخراطها في المفاوضات.. في تقديري أن ذلك كافيا بل التأخير الذي اعتمدته الحكومة من ناحية تكتيكية يعد جيدا.. للمحافظة على الموقف التفاوضي والمحافظة على الجبهة الداخلية التي ظلت موحدة خلف القيادة..كما أنها حشدت تأييد جيد لموقفها من قبل الأصدقاء والأشقاء وهذا بدأ واضحا من خلال زيارة رئيس مجلس السيادة لرواندا وبورندي ولقاء وزير الخارجية المصري على هامش هذه الزيارات.. بجانب زيارات قام بها نائبه مالك عقار إلى موزمبيق.. كذلك الاتصالات التي استقبلها الرئيس البرهان من عدد من الدول تركيا.. الصين.. قطر.. المملكة العربية السعودية.. ولقائه بمكتبه بالأمس سفير النرويج الذي جا وسيطا لدفع السودان للمشاركة في جنيف..آخر هذه الاتصالات لم تتحدث عنه الحكومة السودانية حتى لحظة كتابة هذا المقال.. والذي كشفت عنه الخارجية الأمريكية حسب وكالات جرى اتصال فجر اليوم الخميس أجراه انتوني بلينكن مع الرئيس البرهان للمشاركة في مفاوضات سويسرا لتنفيذ كامل لإعلان جدة للالتزام بحماية المدنيين.. هذه الاتصالات والاجتماعات المكثفة التي جرت خلال اليومين الماضيين والتي حالت دون مخاطبة الرئيس البرهان للشعب السوداني في عيد الجيش.. تؤكد أن الحكومة السودانية حسنت موقفها التفاوضي تماما وحشد له التاييد اللازم في حال اتخذت قرار بالمشاركة في جنيف.. وهذا ما نتوقعه فقد بات الطريق ممهدا أكثر من ذي قبل كما يبدو.. فقط يتبقى الذهاب والانخراط في المفاوضات وفقا لهذه المعطيات.. إذا التزمت قوات الدعم السريع المتمردة باتفاق جدة حسب ما أعلن الوسائط في بيانهم الصادر في مفتتح الجلسات واستطاعوا الايفاء بتعهداتهم.. يمكننا أن نستمر لإكمال أجندة التفاوض لتحقيق السلام .. غير ذلك تكون تجربة جيدة أكدت حرص الحكومة على السلام العادل الذي يحفظ لشعبها حقوقه وكرامته.. ويحفظ للجيش علو كعبة كضامن اوحد لوحدة الدولة السودانية و مؤسساتها.. هذا وجه الحقيقة الذي ينبقي ان نعمل جميعا لأجله لتنعم بلادنا بالأمن والسلام.. وهذا ما يجعلنا نؤكد ان الخرطوم باتت أقرب إلى جنيف لأجل تحقيق السلام وفقا لهذه المعطيات.
دمتم بخير وعافية..
الخميس 15 أغسطس 2024 م Shglawi55@gmail.com