خبر وتحليل عمار العركي : الموقف الأمريكي: بين الحسم العسكري والتحولات الخارجية في حرب السودان”


▪️ *في خضم التطورات التي يشهدها السودان* ، حيث تتجه الحرب نحو حسم نهائي لصالح قوات الشعب المسلحة مقابل هزائم وانكسار وتراجع المليشيا المتمردة، أصدرت الولايات المتحدة بيانًا رسميًا في توقيت حساس للغاية، ليكشف عن موقفها من النزاع السوداني. البيان الأميركي تضمن عدة رسائل دبلوماسية هامة، تضمنت إشارات سياسية تتعلق بالسلطة في السودان وأيضًا بكيفية تعامل الولايات المتحدة مع الأزمة السودانية. من خلال تفكيك البيان الأميركي وتحليله، يمكن تحديد ثلاثة محاور رئيسية تستدعي الانتباه:
▪️ *البيان الأميركي يرفض بشكل قاطع محاولات تشكيل “حكومة موازية”،* مما يعكس موقفًا أميركيًا ثابتًا برفض أي كيان سياسي بديل عن الحكومة الشرعية في السودان. يأتي هذا في وقت يسعى فيه المتمردون إلى فرض أنفسهم كقوى سياسية عسكرية مستقلة عبر الوثائق الدستورية التي يروجون لها، خاصة في ظل محاولة المليشيا المتمردة لتأسيس ما يسمى بـ”الدستور الانتقالي”. هذا الموقف الأميركي يتماشى مع سياسة الولايات المتحدة في منع نشوء كيانات موازية في الدول التي تشهد نزاعات، لما قد يترتب على ذلك من تعقيد المشهد السياسي وتفاقم التدخلات الخارجية.
هذا الموقف لا يقتصر على منع فوضى سياسية داخل السودان فقط، بل يشمل أيضًا تحذيرًا من أن تشكيل حكومات موازية قد يؤدي إلى تدخلات خارجية معقدة، على غرار ما حدث في ليبيا، حيث أدى الانقسام السياسي إلى تدويل الأزمة، مما أتاح المجال لتدخلات متعددة، أبرزها تدخلات دولية غربية.
▪️ *تحذير ضمني من شرعنة المليشيا المتمردة* كفاعل سياسي مستقل، فالإشارة إلى توقيع “دستور انتقالي” من قبل المليشيا المتمردة تعني أن واشنطن تدرك تمامًا أن هؤلاء لا يسعون فقط للبقاء كقوة عسكرية، بل يطمحون إلى إعادة تشكيل الواقع السياسي في السودان، بحيث يصبح لهم دور أساسي فيه ،فالموقف الأميركي هنا يشير إلى رفض واشنطن أي محاولة للاعتراف بالمليشيا كفاعل سياسي مستقل، بما قد يؤدي إلى تفتيت السودان، وهو ما لا يمكن أن تقبله الولايات المتحدة أو حلفاؤها في المنطقة.
▪️ *الخشية الأميركية من هذا التوجه تتجاوز الانقسامات الداخلية السودانية* ، لتصل إلى اعتبار أن مثل هذه الخطوات قد تفتح الباب أمام مواقف مشابهة لتلك التي شهدتها دول مثل ليبيا واليمن، حيث أدى تصاعد النزاع وغياب سلطة موحدة إلى جعل تلك البلدان ساحات لتجاذبات دولية وإقليمية أدت إلى استمرار الفوضى ومدعاة لتدخلات ونفوذ مضاد للمصالح الأمريكية بالمنطقة.
▪️ *في هذا الإطار،* يصبح الموقف الأميركي بمثابة تحذير من أن السماح بالشرعية السياسية للمليشيا يمكن أن يكون مقدمة لتقسيم السودان، مما يعرضه إلى سيناريوهات مماثلة لتلك التي شهدتها مناطق أخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا ، وهو ما يزيد من مخاوف ومحاذير امريكية تجاه اقتناص النفوذ الروسي والصيني فرصة التدخل.
▪️ *رسالة متوازنة تحافظ على هامش المناورة* : رغم أن البيان الأميركي يدين خطوة المليشيا المتمردة في محاولة تشكيل حكومة موازية، فإنه لا يتضمن دعمًا صريحًا لحكومة السودان الشرعية أو لقوات الشعب المسلحة. هذه الإشارة تبدو وكأنها رسالة متوازنة تحاول واشنطن إرسالها إلى جميع الأطراف، في محاولة لتوجيه ضغط على المليشيا المتمردة وفي نفس الوقت الحفاظ على هامش من المناورة مع الحكومة السودانية، خاصة في ضوء الواقع الدولي المتقلب.
▪️ *الموقف الأميركي يعكس ترددًا في اتخاذ* موقف حاسم، ما يعكس تعقيدات السياسة الخارجية الأميركية في مناطق النزاع واللعب بالتضاد، والتي تفضّل دائمًا الحفاظ على الخيارات مفتوحة حتى يظهر المدى الكامل للمتغيرات السياسية. في هذه الحالة، تعكس هذه الخطوة محاولة أميركية لتوجيه رسالة غير مباشرة بأن واشنطن ما زالت تتأمل في كيفية التعامل مع كافة الأطراف في السودان بشكل يتماشى مع مصالحها في المنطقة، والتي تتضمن في النهاية استقرار السودان ورفض أن يتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى ، ولكن بتصورات وسياقات أمريكية خالصة.
*_محددات الموقف الأمريكي في سياق التحولات الدولية والإقليمية_*
▪️لفهم طبيعة الموقف الأميركي، لا بد من وضعه في سياق التحولات الإقليمية والدولية، حيث تتداخل عدة عوامل تلعب دورًا في تشكيل السياسة الأميركية تجاه السودان:
▪️التوجهات الغربية تجاه إفريقيا: تزايد الاهتمام الأميركي بمنع التوسع الروسي والصيني في القارة الإفريقية يدفع واشنطن إلى محاولة إبقاء السودان ضمن دائرة النفوذ الغربي. ولذلك، فإن دعمها لأي طرف في الأزمة السودانية سيكون محكومًا بمدى توافقه مع مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
▪️ *التقاطعات مع الموقف العربي:* البيان الختامي للقمة العربية الأخيرة حمل إشارات مهمة، خصوصًا فيما يتعلق برفض التدخلات الخارجية والتأكيد على وحدة السودان. هذا الموقف العربي الجماعي يشكل فرصة لتعزيز العزلة الدبلوماسية للمتمردين، ومنع أي محاولات لإضفاء شرعية على مشروعهم الانقلابي.
▪️ *التطورات في جنوب السودان:* تتزايد المخاوف في ظل.التطورات الأخيرة في جنوب السودان، أن تصبح جوبا قناة خلفية لدعم المليشيا المتمردة، في ظل تقارير عن تحركات مشبوهة على الحدود ،.بالتالي فالتنسيق الأميركي مع جوبا في هذا الملف يثير تساؤلات حول ما إذا كانت واشنطن تضغط لمنع أي دور سلبي قد يلعبه جنوب السودان في الأزمة.
▪️ *التطورات في تشاد:* إغلاق معبر أدري وإرسال “أنجمينا” مبعوثيها الي “بورتسودان” ، يعد مؤشرًا مهمًا على أن الموقف التشادي بدأ يتطور باتجاه أكثر تشددًا ضد المليشيا المتمردة، النفوذ الأميركي في تشاد قد يكون عاملًا مؤثرًا في هذا التحول، وهو ما يستدعي متابعة دقيقة لضمان استمرار الموقف التشادي في الاتجاه الذي يخدم الأمن القومي السوداني.
*_خلاصة القول ومنتهاه_*
▪️البيان الأميركي يمثل رسالة تحذير لـ المليشيا المتمردة من مغبة محاولة فرض واقع سياسي جديد عبر “دستور انتقالي”، لكنه في ذات الوقت يعكس ترددًا أميركيًا في تقديم دعم مباشر للحكومة السودانية. هذا يضع السودان أمام فرصة حقيقية لتعزيز موقفه دبلوماسيًا وإعلاميًا، واستثمار الظرف الدولي لتأمين دعم أوسع لموقف قوات الشعب المسلحة، وإفشال أي محاولات لإضفاء شرعية على الكيان الموازي الذي تحاول المليشيا تأسيسه.
▪️الرسالة التي يجب أن تصل إلى المجتمع الدولي هي أن الحل في السودان لا يمكن أن يكون عبر الاعتراف بمليشيا انفصالية، بل عبر دعم الدولة الوطنية ومؤسساتها الشرعية، لضمان استقرار البلاد ومنع تكرار السيناريوهات الكارثية التي شهدتها دول أخرى في المنطقة.