
محمد إدريس
تستحق قصة تأمين الحج والحجيج وما واكبها من تطور بعد تأسيس المملكة العربية السعودية قبل مائة عام أن تروى للأجيال وتفرد لها الصفحات في كل حين، فالبعض يظن أن ما يروي عن فقدان الأمن في أرجاء شبه الجزيرة العربية ولعدة قرون قبل توحيدها علي يد الملك عبدالعزيز هو نسج من الأساطير ، وقد وصف المؤرخون كالجبرتي والبديري والموثقين الرحالة و اوردوا قصصا عما واجهه الحجاج تكاد لا تصدق من فرط بشاعتها؛ وكما يقول بندر بن عبدالرحمن؛ أن الفقيه الشافعي علوان الحموي الذي عاش في القرن العاشر الهجري/ اسقط كتاب الحج من مؤلفه “مصباح الهداية ومفتاح الولاية “لاعتقاده بأن الحج في ذلك الزمان لا يجب بسبب اضطراب الأمن وعدم قدرة الحجاج على الوصول إلى مكة وهم آمنون؛ ثم توارث أبناءه الملوك من بعده التطوير والتحديث والمحافظة على ما وضعه الملك المؤسس من تغيير في مسار التاريخ..!
وتمضي تحديثات خدمات الحج والعمرة في المملكة العربية السعوديةوفق إستراتيجية دائمة التطوير متواكبة مع إستراتيجية المملكة 2030 التي تتطلع لاستضافة 30 مليون حاج؛ وتعتمد على التطور التقني والتطبيقات الإلكترونية والتسهيلات اللوجستية وتبدأ من تيسير الحصول على التأشيرة (لا حج بلا تصريح)؛ وتوفير وسائل النقل المريحة والنهوض بالبنية التحتية وتحديث المواقع التاريخية والمزارات المقدسة وتطوير منظومات الأمن والسلامة،ووضع جميع أسباب الراحة في خدمة ضيوف الرحمن حتى يستمتعوا برحلتهم الدينية والثقافية حيث ترتكز الإستراتيجية على أن هذه الخدمة هي شرف كبير تتوارثه الأجيال..!
فصارت حكايات معاناة قوافل الحجيج ومشقة الوصول وإجراء النسك، من أرشيف رحلات الحج في عصور عتيقة تروى الآن في عصور الخدمات التقنية الذكية والقطارات السريعة والتوسعات الكبيرة والمنظومات المحدثة والكفاءات المتقدمة التي تخدم ضيوف الرحمن وتسهر على راحتهم وتحملهم بمواصلات دائمة التردد على المواقع المقدسة..!
وسخرت المملكة جميع الإمكانيات المادية والبشرية لانجاح موسم حجيج هذا العام (١٤٤٦ه) بفضل جهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين محمد بن سلمان، ومن بعدهم منظومة متكاملة تضم 50جهة حكومية تتوق وتتقرب وتتشرف بخدمة ضيوف الرحمن ، منذ لحظات قدومهم وحتى وداعهم الى بلدانهم دون كلل او ملل..!
ليس ذلك فحسب التطور التقني مستمر في تطبيق “نسك” والذي يضم معلومات شاملة عن الحاج بياناته الشخصية والصحية وموقع إقامته مما يساعد في تقليل حالة الضياع حيث يحدد الحاج موقعه بسهولة، ويتيح التطبيق خدمات عديدة مثل حجز الروضة الشريفة وتنظيم المواعيد، مما يساعد في زيادة الطاقة الاستيعابية للمواقع المقدسة؛ وكذلك التطور الآخر في نقل الزوار عبر خدمات النقل الذكية (التاكسي المتطور) واستخدام تقنيات التنقل الكهربائي مما يسهم في تقليل الازدحام وتوفير وسائل نقل أكثر راحة وسلاسة.
نواصل من مكة المكرمة….