استباحة الاقتصاد السوداني عبر اتفاقية الحريات الأربع بين السودان ومصر.
بروفيسور ابراهيم اونور
جامعة الخرطوم
منذ بداية غزو امريكا للعراق فى بداية ١٩٩٠ اصبح الملف الاقتصادى إحدى أدوات الحرب بين الدول و اصبح منذ ذلك الحين يكسب اهمية خاصة لا تقل عن الحرب العسكرية بكل متطلباتها. الغرض من هذا المقال تبصير القائمين على الملف الاقتصادى فى هذا البلد للأدوات الاقتصادية التى يمكن يستخدمها الطرف الآخر في إطار تعظيم منفعته في الفترة الحالية و فى المستقبل حتى بعد الفترة الانتقالية وذلك بهدف وضع الاجراءات الاحترازية المناسبة لاجهاض فعالية آليات الحرب الاقتصادية الراهنة .
فى البداية لابد من توضيح ان القاعدة الأساسية فى هذا الإطار هى ان الملف الاقتصادى يكون ذو فعالية أقوى لتحقيق هدف استغلال واستباحة الموارد الاقتصادية من طرف خارجي كلما كان الوضع السياسى فى الدولة السودانية اكثر هشاشة ويفتقد الاستقرار السياسي المطلوب.
ولذلك يمكن القول ان الأدوات المطلوبة تختلف حسب طبيعة التركيبة وحجم الاقتصاد المستهدف.
بعد التوقيع علي اتفاقية الحريات الأربع في العام 2004 بين السودان ومصر والتي تنص في احد بنودها إلغاء كافة القيود أمام حركة التنقل (البضائع والأشخاص ) بين البلدين سعت مصر للاستفادة من الاتفاقية لتعظيم منفعتها حصريا. وعندما لم تجد مصر بد من الاستفادة من الاتفاقية من طرف واحد اخذت تماطل في تنفيذ الاتفاقية طيلة فترة حكم البشير واستمرت المماطلة في التنفيذ حتي خلال فترة الحكومة المدنية الأولي وان كانت بصورة اقل. ولكن بعد غياب الاستقرار السياسي وتحديدا في ظل فترة اللادولة بعد انقلاب 25 اكتوبر سعت لتنشيط بند حرية التنقل بين البلدين بالصورة التي تصب في مصلحة الاقتصاد المصري من خلال الاتي:
اولآ- طباعة كميات كبيرة من العملة السودانية المزورة في مطابع مصرية وضخ كميات كبيرة منها داخل السودان واستخدامها لشراء سلع الصادر والمعادن النفيسة وتصديرها لمصر عبر شركات مصرية مستفيدة من بند اتفاقية الحريات الأربع والتي تنص أزالة كافة القيود أمام حركة البضائع بين البلدين والتي بموجبها يسمح للشركات المصرية بشراء كافة السلع السودانية بالعملة السودانية.
ثانيا- استخدام العملة السودانية المزورة لشراء العملات الحرة من السوق الأسود للعملات وسحبها خارج السودان لأضعاف العملة الوطنية مقابل العملات الحرة خاصة الجنيه المصري الأمر الذي يعزز ويقوي موقف الجنيه المصري مقابل الجنيه السوداني وبالتالي يزيد من تبعية وارتباط الجنيه السوداني للجنيه المصري ولذلك كلما انخفض الجنيه المصري مقابل العملات الحرة في مصر تنخفض قيمة الجنيه السوداني في السوق الأسود للعملات في السودان كما حصل ذلك خلال الازمة الاقتصادية التي ضربت الاقتصاد المصري خلال الشهور الماضية. كما أن انخفاض الجنيه السوداني مقابل الجنيه المصري يقلل ويحد من حركة تنقل او استحواز السودانية للعقارات وبقية الأصول الرأسمالية في مصر. كما ان ضعف العملة الوطنية يتسبب في عدم قدرة الدولة استيراد سلع وقطع غيار اساسية وبالتالي تدمير الصناعة المحلية وبالتالي يتم الاعتماد الكامل علي استيراد السلع المصرية المصنعة.
مع تحقق اولا وثانيا اعلاهم تهبط قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الحرة وفى نفس الوقت تتضاءل قوتها الشرائية بصورة متزايدة الأمر الذى يضعف القاعدة الإنتاجية فى الدولة ويؤدى ذلك الى هروب وخروج رؤوس الأموال مما يعجل من تفاقم الأزمة الاقتصادية .
ماهى الآليات المطلوبة لمواجهة هذه التحديات.
اولا تغيير العملة الوطنية التي أصبحت ملوثة بكميات كبيرة من العملات المزورة الغير محدودة والتي افقدت البنك المركزي السيطرة علي التضخم وسعر الصرف.
ثانيا تحميل المسؤلية كاملة لبنك السودان الذي هو سبب الفشل في احتواء وإيقاف تدفق العملات المزورة من خلال تقليص صلاحيات البنك المركزي والتي تقتضي انشاء وكالة تخطيط اقتصادي بصلاحيات واسعة تتضمن الرقابة علي البنك المركزي وتقييم أدائه.
ثالثا تجميد او الغاء اتفاقية الحريات الأربع مع دولة مصر لاعادة النظر واعادة تقيمها حتي لا تتكرر التجربة السابقة.
رابعا انفاد قانون رادع لكل أشكال التخريب الاقتصادي سواء كان ذلك من خلال الشركات الأجنبية او الوطنية.