حــدود المنطـق*
*الرشيد سعيد،، ألْمِي حار ما لِعِب قُعُونج*
*إسماعيل جبريل تيسو*
تداول نشطاء بوسائط التواصل الاجتماعي وتناقلوا صورة لوكيل وزارة الثقافة والإعلام السابق القيادي في قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي الرشيد سعيد وهو يحمل حقائبه ويغادر مع زوجته ضمن الرعايا الفرنسيين الذين أجْلَتْهم دولتهم من السودان على خلفية الحرب الدائرة منذ الخامس عشر من أبريل الجاري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مناطق متفرقة من العاصمة الخرطوم.
الرشيد سعيد وكيل الوزارة السابق والذي يحمل الجنسية الفرنسية قرر في وقت الحرب التي هي شدةٌ وكرب، أن ينفض عن نفسه غبار الوطنية والانتماء، ويُرخي رباط الجأش ويلوِّح بجوازه الفرنسي مغادراً مع الرعايا الفرنسيين، ضارباً بجنسيته السودانية عَرُض الحائط، عملاً بمبدأ ياروح ما بعدك روح، ومترجماً (بياناً بالعمل) مقولة مَثَل أهلنا في دارفـور الحبيبة ( ألْمِي حار ما لِعِب قُعُونج).
آخر مرة سنحت لي الفرصة بملاقاة السيد وكيل وزارة الثقافة والإعلام السابق (أستاذنا ) الرشيد سعيد، كانت يوم زيارة رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد للخرطوم وتحديداً في قاعة الصداقة حيث عقد المسؤول الأثيوبي مباحثات مع رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك، وقد كان وقتها الرشيد سعيد يتحرك وسط الصحفيين ببدلة ( فُل سود) أنيقة زرقاء اللون تسر ُّ الناظرين تعكسها كرفتة حمراء، وعطر فواح ربما كان آخر ما جادت به أيدي المصانع الفرنسية، وكأني بالرشيد سعيد في ذلك اليوم (أم العروس ) فقد طفق يوزع الابتسامات ويتعاطى مع الموقف كرجل دولة (وطني ) الملامح والتوجه يستقبل ضيوف (بلاده) من الأشقاء الأثيوبيين بحفاوة السودانيين أبناء البلد مقنعي الكاشفات، وكان يطلق النكات والقفشات مع الصحفيين وممثلي الوكالات والقنوات الوطنية والأجنبية.
لم يخطر ببالي أن صاحب الصورة التي تناقلتها وسائط التواصل الاجتماعي بشكله الأشعث الأغبر وبقميصه المكرفس مكفوف الأيدي، هو الرشيد سعيد نفسه، الأنيق صاحب البدلة الزرقاء والكرفتة الحمراء، وصدق من قال إن السلطة بريق، ولها في السودان هيبة ولمعان.
ولعل الكثير من الزملاء يتفق معي أن بعض مراحل الفترة التي قضاها الرشيد سعيد وهو على كرسي وزارة الثقافة والإعلام، شهدتْ تضييقاً مبالغاً فيه على الصحفيين ( الوطنيبن )، وإعمال شيطنة، وممارسة تخوين وتشكيك في انتماءاتهم وتعاطيهم مع نظام الإنقاذ، وفات على الرشيد سعيد الذي كان قد قضى فترة في راديو دبنقا، أن الصحفي معني بتغطية الأحداث والتفاعل معها، وقد صنعت الإنقاذ طوال ثلاثين عاماً أحداثاً تعاطى معها الصحفيون سلباً وإيجاباً، فلمع وذاع صيت الكثيرين منهم بقدراتهم وإمكانياتهم المهنية التي أجبرت الإنقاذ على احترامهم وخطب ودهم رضوا أو أبوا، دون أن ينتقص ذلك من مهنيتهم شيئاً، وليس كل من عاصر حكم الإنقاذ، كان بالضرورة إنقاذياً سيدي الوكيل.
الواقع يقول إن من حق الرشيد سعيد أن ينال الجنسية الفرنسية أو الكوبية أو حتى الإسرائيلية ولكن ليس من حقه أن ينال بجوازه المزدوج منصباً رفيعاً في الدولة، فهنا قطعاً تنتفي الوطنية وتتعارض المصالح، وغالباً ما يتم تغليب مصلحة الدولة الأقوى والأكبر، مثل ما فعل صاحبنا الرشيد سعيد الذي ظلت أصابع الاتهامات تشير إلى وجوده متخفياً منذ الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م خلف أسوار السفارة الفرنسية بالخرطوم، يحرّك ( ماوس ) المعارضة ويدير عمليات شيطنة وتخوين انعكست سلباً على تعكير صفو المشهد السياسي، وما الحرب التي تدور رحاها حالياً إلا واحدة من حصائل أفعال الرشيد وغيره من غير الراشيدين سياسياً.
لقد انتظرنا موقفاً مشرِّفاً من الرشيد سعيد بأن يستمر في دعم وإسناد قائد الدعم السريع الذي أعلن أنه يخوض حربه ضد الجيش السوداني من أجل تحقيق مفاهيم ومقاصد الدولة المدنية التي نادى بها الاتفاق الإطاري، ولكن الرشيد سعيد خيَّب ظن الدعم السريع والاتفاق الإطاري قبل أن يخيِّب ظن المجلس المركزي، وهرب من ويلات الحرب الدموية تاركاً الشعب السوداني يحترق في نيرانها، فيما يحتسي سعادته الأن مختلف المشروبات الساخنة والباردة وينعم بدفء وبهجة الأليزيه.
أن واحدة من مطلوبات مرحلة ما بعد الحرب اللعينة ينبغي أن تكون إعادة النظر في مواقف أصحاب الجوازات المزدوجة وحتمية تفعيل نصوص الدستور التي تمنع هؤلاء الأشخاص من تقلد المناصب السيادية والدستورية في الدولة، نقول ذلك ونحن نتابع في الأونة الأخيرة ارتفاع الأصوات الغاضبة بشأن مَنْ يتم توصيفهم بالعملاء وأصحاب الأجندات غير الوطنية والذين ما انفك ينوء بأفعالهم الدنيئة محراب الوطن الذي يشكو الجراحات والدمار، ويعاني من النزاعات والصراعات ومن عدم الاستقرار.