. إبراهيم شقلاوي.
كما نعلم أن الحكومة المصرية بدأت الإمساك بملف تسوية النزاع في السودان في وقت مبكر بعد اندلاع الحرب في منتصف أبريل من العام الماضي.. حيث بدأت تلك المساعي باجتماع دول جوار السودان الذين قدموا أولى المبادرات الإقليمية في يونيو من العام الماضي .. وقبل ذلك اجتماع وزراء الخارجية بجامعة الدول العربية في مايو من ذات العام الذي أكد على أن ما يجري في السودان شأن داخلي وأكد كذلك على وحدة الدولة السودانية و شرعية الحكومة القائمة التي يقودها الجيش والتي يمثلها رأس الدولة الفريق أول عبد الفتاح البرهان.. هذا الثقل السياسي و الأمني للدولة المصرية في حرب السودان الذي بدأ مبكرا.. كان واضحا أيضا من خلال حديث وزير خارجيتها الدكتور بدر عبد العاطي في مؤتمر القوى السياسية والمدنية الذي عقد في مطلع يوليو الجاري الذي دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار و ضرورة الاستجابة الإنسانية من المجتمع الدولي كما أكد أهمية الوصول لحل سياسي شامل بمشاركة جميع الأطراف السودانية دون إقصاء لأحد..كما أكد على وحدة القوات المسلحة السودانية التي قال إن لها أهمية بالغة اثبتتها التطورات الجارية لدور هذه المؤسسة في حماية السودان والحفاظ على سلامة أراضيه ومواطنيه في مواجهة أي تهديدات ضد هذه السلامة أيا كان مصدرها.
كما أن نجاح مصر في جمع الفرقاء السودانيين في هذا الاجتماع أسس لمرحلة جديدة من المساعي الجادة لوقف الحرب.. وربما نجاحها في الخروج بشبه إجماع حول قضايا هذا المؤتمر التي يأتي على راسها مشاركة جميع الأحزاب والكيانات السياسية السودانية في أي حل سياسي قادم دون إقصاء لاحد.. إلى جانب إقرار مبدأ الحوار الداخلي السوداني السوداني بالإضافة إلى أهمية قيام حكومة من الكفاءات الوطنية لإدارة اليوم التالي من الحرب.. كل ذلك جعل مصر الأقرب لتفهم طبيعة الداخل السوداني بتعقيداته المختلفة.
شهد منتصف الاسبوع الماضي دعوة من الخارجية الأمريكية الي جانب المملكة العربية السعودية لمؤتمر يعقد في العاصمة السويسرية جنيف.. بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع المتمردة.. بالرغم من أن طبيعة الدعوة والطريقة التي قدمت بها شهدت لغطا كبيرا في الساحة السياسية السودانية من حيث الشكل الذي كان من المفترض أن توجه الدعوة إلى حكومة السودان باعتبارها الحكومة التي تمثل الشعب السوداني وليس لمؤسسة الجيش التي تعتبر إحدى مكونات الدولة السودانية .
كذلك من حيث المضمون حملت الدعوة إشارة إلى مشاركة مصر و الاتحاد الافريقي والإمارات كمراقبين.. وهذا ما أظهر الدعوة كأنها أمر واقع يوجب الإزعان.. بالرغم من تحفظ السودان على مشاركة الإمارات والاتحاد الإفريقي الذي ظل معلقا لعضوية السودان منذ عامين ونصف بحجة أن هناك انقلاب قاده الجيش ضد الحكم المدني في البلاد .
هذا ما جعل بعض المراقبين وقيادات الرأي العام يحتجون على طريقة توجيه الدعوة وعلى مشاركة الإمارات فى المفاوضات قبل استكمال خطوة الوساطة الإثيوبية التي كما يبدو جسرت الهوة بين الخرطوم وأبوظبي ونتج عنها اتصال هاتفي شفاف وصريح بين رئيسي البلدين.. حمل في مجمله وعود بوقف الإمارات دعم القوات المتمردة.. ومساعدة الشعب السوداني في تحقيق الأمن والإستقرار ووقف الحرب.
لذلك حذر المراقبين القيادة السودانية بأخذ الضمانات الكافية من دولة الإمارات حتى لا تعطي صك براءة مجان من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ثبت ارتكابها حسب المنظمات الدولية الحقوقية.. بواسطة قوات الدعم السريع المتمردة في عدد من الولايات السودانية.. كذلك قالوا على قيادات الدولة أن تحسب خطواتها جيداً وتعلم بأن ما تم الإتفاق عليه مع هذه القوات فى جدة لم يترك ثغرة للهروب من تنفيذه.. كما يجب الإنتباه الي أي مساعي مبيتة قد تعمل علي اجهاض هذا الأتفاق.
في جانب آخر أعلن المبعوث الخاص للسودان توم يرييلو: في مؤتمر صحفي باديس ابابا بالأمس أن مشاركة الإمارات العربية المتحدة يمنح المحادثات القادمة فرصة أفضل لصفقة سلام حقيقية قابلة للتنفيذ يبدو أنه أراد أن يشير إلى تعهدات ممكنة تلتزمها الإمارات عقب وقف الحرب.. كما قال أيضا على الجيش أن يأخذ الدعوة إلى مفاوضات جنيف بسويسرا على محمل الجد.. وأنه يأمل في الحصول على تأكيد رسمي من جانبهم قريباً.. كذلك قال أنه تواصل مع قائد الدعم السريع وتلقى موافقته للذهاب إلى المفاوضات.. إلا أن هذا الحديث على أهميته على حسب مراقبين وحسب رأي عام محلي .. يحتاج إلى ضمانات كافية من قبل أطراف أخرى تحظى بالمصداقية لدى الحكومة السودانية.. حتي تجعلها تقبل الدعوة الأمريكية بالمشاركة في هذه المباحثات.. وقد اجمعوا علي أن مصر مؤهلة للعب هذا الدور المهم.
يبدو أن التحركات السياسية والدبلوماسية التي تجري في الخرطوم والقاهرة تشير إلى أن هناك محاولة لإعادة تشكيل المشهد السياسي في السودان، وأن مستقبل البلاد قد يكون مرهونًا بما ستسفر عنه هذه الاجتماعات واللقاءات القادمة.. قد تكون القاهرة هي المحطة التي ستشهد تطورات هامة قبيل انعقاد مفاوضات جنيف بسويسرا ، والتي يتواجد فيها الآن رئيس الإمارات محمد بن زايد والرئيس التشادي محمد ادريس دبي.. حيث أعلن عن قمة مرتقبة بمدينة العلمين المصرية حسب الأخبار والتي من المتوقع أن يكون الشأن السوداني فيها حاضرا.. وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات هل مصر تعمل على إيجاد ضمانات من الرئيسين فيما يتعلق بشأن السودان.. وإلى أى مدى تتعلق هذه الضمانات بموافقة السودان بالذهاب إلى سويسرا.. هل سيتوسع الاجتماع ويلحق به رئيس الوزراء الإثيوبي أبي احمد ولربما الرئيس البرهان.
هذا الحراك الذي يجري في القاهرة ربما لإعادة هندسة المشهد السوداني الذي سبقه مطلع هذا الأسبوع الرئيس البرهان بدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس موسفيني والرئيس أسياس أفورقي إلى بورتسودان.. بالتزامن مع زيارة ابن زايد و محمد كاكا القاهرة التي أعلن أنها ستمتد إلى أيام.. حسب صحيفة الأهرام المصرية.
الواضح أن القاهرة ترتب مباحثات سويسرا من خلال مايظهر من التحركات الماكوكية الآنية والمستقبلية على مدى الأيام القادمة قبل المفاوضات التي تبدو مليئة بالتوتر والتشويق، حيث سيكون ملف سويسرا حاضرًا بكل تفاصيله.. لذلك يرجح بعض المراقبين إحتمال أن تسبق القاهرة محادثات جنيف بشأن الأزمة السودانية وتوجد قدر من التفاهمات بين الرؤساء وبين الأطراف الاقليمية مما يسهل الوصول إلى إتفاق وقف إطلاق النار على قاعدة إتفاق جدة .. كذلك من المتوقع وصول الرئيس سلفاكير إلى الخرطوم أو القاهرة..خصوصا أن هناك حديث عن التزام دولة جنوب السودان بإقامة المعسكرات التي من المتوقع أن تشهد تجميع قوات الدعم السريع المتمردة تنفيذا لبند الترتيبات الأمنية حسب اتفاق جدة.
مع ذلك يجب أن نتذكر دائمًا أن الهدف النهائي هو تحقيق السلام والاستقرار في السودان لإعادة المواطنين الي بيوتهم وإلى وطنهم ، وإعادة السلام والأمن كذلك للمحيط الإقليمي بغض النظر عن الدولة التي تلعب دورًا في تحقيق ذلك.. يجب على جميع الأطراف أن تتعاون معًا بروح من الصداقة والاحترام المتبادل لضمان أن يكون المستقبل أكثر إشراقًا وأمانًا للجميع.. في النهاية، يجب أن نعمل جميعًا من أجل بناء عالم أفضل وأكثر استقرارًا للأجيال القادمة.يجب على دول الجوار تقديم الدعم والمساندة للسودان في سبيل تحقيق السلام والتنمية، وضمان عدم تدخل أي جهة خارجية في الشؤون الداخلية للبلاد.. لذلك يأمل السودانيين أن تكلل مساعي القاهرة لوقف الحرب في السودان وصلا لمجهوداتها المستمرة وللثقة الكبيرة والمصداقية التي تتمتع بها لدى السودانيين ذلك قبل الذهاب إلى جنيف.. أو على الأقل حتى يكون الذهاب إلى جنيف فقط لوضع آليات التنفيذ وتوقيع إتفاق وقف الحرب.
دمتم بخير وعافية..
30/يونيو /2024م. Shglawi55@gmail.com