
بورتسودان
حياه حمد اليونسابي
في ظل الظروف الراهنة التي توحد فيها مصير أغنياء السودان وفقرائه تحت وطأة التشرد، وهُجّر ساسته في أرجاء الأرض كما عامة الناس، ومع تعرض مؤسسات النفع العام والخاص للدمار شبه الكامل، اتسع الخرق في النسيج الاجتماعي على نحو تجاوز قدرة كل من يدّعون رتق هذا التمزق، مستهلكين العبارة المكرورة في سوق السياسة السودانية دون مساءلة حقيقية: من الذي فتق هذا النسيج، وكيف حدث ذلك، ولماذا؟
لقد شهد السودان في السنوات الأخيرة تصاعد النعرات العنصرية والولاءات المناطقية، حتى غدت الجغرافيا السودانية نفسها في خصام؛ فصار الشمال أكثر انعزالاً، والغرب أشد انفصالاً، والشرق أكثر تشبثاً بخصوصيته، فيما بقي الوسط في حيرة من أمره، يبحث عن هوية جامعة تخرجه من حالة “البين بين”.
ولم يعد خافياً أن الحرب الدائرة اليوم ليست سوى نتاج لعشوائية مفرطة اجتاحت السياسة والعسكرية والاقتصاد والاجتماع، كلها ثمار عقل مضطرب فشل في تأسيس علاقة متوازنة بين الشعب السوداني وموارده، بما كان يمكن أن ينتقل به من الفاقة والعوز إلى آفاق تنمية حقيقية تحفظ للإنسان السوداني عزته وكرامته وحريته، عبر تبني رؤى استراتيجية مستلهمة من تجارب أمم نهضت رغم محدودية مواردها، لكن بثراء عقولها.
وباتت الحاجة ماسة إلى مراجعات شاملة وجادة، يقودها علماء السودان ومثقفوه، للوقوف على أسباب الإخفاق في بناء الدولة الوطنية منذ مراحل التشكل الأولى التي سبقت إعلان استقلال السودان عام 1956، وحتى تشريع “قانون الجنسية السودانية”. خاصة بعدما كشفت مجريات الحرب، خلال أكثر من 265 يوماً، أن الوطن بات مطمعاً لأطراف خارجية تستهدف تدميره، وتشتيت شعبه، ودفعه إلى النزوح والهجرة، تهيئةً للاستيلاء عليه.
⭕️الحروب لا تنتهي لأن القلوب ملت القتل
الحروب لا تولد من فراغ، كما لا تخمد لأن النفوس ملت القتل أو أعياها النزاع. إنما تنتهي الحروب حين تنتهي أسبابها وجذورها. وإذا هدأت دون معالجة عميقة لهذه الأسباب، فإنها ستكون مجرد سكون موقّت لبركان قابل للانفجار في أي لحظة.
وعليه، فإن أولى متطلبات البناء الوطني الجديد -حيث لا مكان للأطلال المتهالكة- هو صياغة رؤية متكاملة ومحدثة، تُبنى على مراجعات صادقة، مع قابلية الإضافة أو التعديل بما يضمن تحقق سلام دائم، لا هدنة مؤقتة ولا استراحة ما قبل العاصفة.