نادر ذكي الشريف يكتب : إعادة إنتاج الجريمة في ثوبٍ سياسيّ جديد

جيشنا هو. عزتنا
الى دماء شهدائنا
حين تتحدّثون عن “هدنة”، نودّ أن نسألكم: عن أي هدنة تتحدثون؟
أهي هدنة تُقام فوق رفات شهدائنا الذين لم تجف دماؤهم بعد؟
أم هدنةٌ تُطرح فوق أجساد الأحياء، الذين ما زلوا في مواجهة الموت كل يوم؟
لقد مللنا اللغة الملساء، والتصريحات التي تُصاغ في غرفٍ مُكيّفة بينما يدفع الشعب ثمنًا فادحًا خارجها.
نحن نرى الواقع كما هو، لا كما يُراد لنا أن نراه.
ونقولها بوضوح لا لبس فيه: من يحاول أن يساوي بين الجلاد والضحية، إنما يُعيد إنتاج الجريمة في ثوبٍ سياسيّ جديد.
إن الحديث عن “هدنة” عار ، فمن يرد حقوق الذين دفعوا أرواحهم،
من يواثي الثكلي والامهات
من بنزع حق طفل يتيم في القصاص عن قاتل امه وابيه
انها ليست إلا محاولة لفرض صمتٍ مُهين على شعبٍ لم يعتد الصمت.
هذه ليست خطوة نحو السلام… إنها خطوة نحو طمس الحقيقة.
نحن نؤمن—ليس انفعالًا ولا شعارًا—أن العدالة أساس أي سلام، وأن من أطلق النار برئ واسير سيأتي يوم يُسأل فيه عن رصاصته.
ومن يظن أن الشعوب تُساق بالقوة إلى المصالحة، أو تُشترى مواقفها بالوعود، فهو لا يعرف معنى الوعي، ولا يفهم منطق التاريخ.
إننا لا نرفض السلام…
بل نرفض سلامًا يُصنع فوق رؤوسنا، ويُفرض علينا دون أن يُسأل أصحاب الدم، ودون أن يُحاسَب القاتل.
نرفض اتفاقات تُكتب على عجل، ثم تُفرض علينا كأمرٍ واقع، وكأن الشعوب مجرد أرقام في تقارير، تُعدَّل وتُصحَّح وتُستبدل.
اليوم، نقولها بجلاء:
نحن لا نبحث عن هدنة تُسكت البنادق فقط؛ نحن نبحث عن عدالةٍ تُسكت الظلم.
ولا نريد صمتًا مؤقتًا؛ بل نريد مستقبلًا لا تُعاد فيه المأساة في سناريوهات اخرى .
وليعلم الجميع، محليًا ودوليًا، أن الشعوب إذا نهضت لا تُقمع، وإذا طالبت لا تُخدع، وإذا أعلنت موقفها لا ترهبها جيوشٌ ولا لجان.
هذا صوتنا… صوت الذين لا يملكون سوى الحقيقة سلاحًا، وسوى العدل هدفًا.
إن كنتم تبحثون عن هدنة حقيقية، فابدأوا بالحق.
وإن كنتم تريدون سلامًا، فابدأوا بالعدل.
وإن كنتم لا تفقهون هذا… فأنتم لا تعرفون شيئًا عن الشعوب ولا عن قوتها حين تتألم وحين تنهض.
وارجع لاعيد السؤال علكم تفقهون
أيّ سلامٍ هذا الذي تُبشّرون به، ولا يملك من صفاء السلام شيئًا؟؟؟
أيّ هدنةٍ تلك التي تُصاغ فوق دمٍ لم يجف، وجرحٍ لم يندمل، وصراخِ أمٍّ ما تزال تبحث بين الركام عن ولدها؟
إنّكم—وأنتم تتحدثون—تغضّون الطرف عن الحقيقة، وتمضون إلى مصالحةٍ تُقام على جثث الأبرياء وكأنّ الدم تفصيلٌ عابر، وكأنّ الألم هامشٌ لا يُقرأ.
نقولها بلسانٍ لا يخشى الوضوح:
إنّ من أراد أن يُقاسَمَ القاتلُ والقتيلُ في الحكم، فقد خان العدل وخان التاريخ، وأعان الظالم على ظلمه.
فالجرائم لا تُغسل بالبيانات، ولا تُمحى بتوقيعاتٍ على موائد الاجتماع، ولا تُستبدل بوعودٍ تُلقى كما يُلقى الرماد في الريح.
نحن نؤمن—إيمان المستيقن لا المدّعي—أن العدالةَ سنامُ السلم، ومفتاحُ الطمأنينة، وأن الجرح إن لم يُعالج بالحق، أعاد نفسه نارًا لا تُطفأ.
وليعلم القاصي والداني أن الشعوب التي ذاقت مرارة الظلم لا تُباع، ولا تُشترى، ولا تُساق إلى صمتٍ أعوج مهما اشتدّت عليها الخطوب.
لسنا نرفض السلام، بل نرفض سلامًا مُبتورًا، يُراد له أن يكون هدنةً للقاتل، لا نجاةً للمظلوم.
نرفض أن يُدفن الحق تحت ركام السياسة، وأن تُخنق الحقيقة في أقبية الاتفاقات السريعة.
إن كنتم تطلبون هدنةً تُعيد الحياة إلى مسارها، فابدأوا بإحقاق الحق لأهله.
وإن كنتم تتشدّقون بالسلام، فاعلموا أنّ السلام لا يقوم على أشلاء، ولا ينهض على بقايا الوجع.
أما أنتم… فهل تُدركون؟
هل تعون أن القاتل لا ينجو بجرمه مهما طال الليل؟
وهل تفقهون أن الشعوب إذا نهضت، فلا سيفٌ يردّها، ولا باطلٌ يعلو فوق صوتها؟
هذا قولنا… وهذا موقفنا…
ولا يعرف التاريخُ يومًا أن شعبًا تنازل عن دمائه، ثم عاش حرًّا بعد ذلك.
نحن نقاتل مع قوات شعبنا المسلحة حتى اخر رجل واخر طلقه.
(مهندس نادر ذكي الشريف)



