موضوع المواني البحرية ومؤتمر سنكات الثاني
بروفيسور ابراهيم احمد اونور
استاذ الاقتصاد والتمويل _ جامعة الخرطوم
#المرصد_السوداني
أصدر مؤتمر سنكات الثاني الذي انهي جلساته قبل يومين (29 يوليو 2022 ) بمدينة اركويت في ولاية البحر الأحمر مجموعة من التوصيات من بينهم القرار رقم 9 ، والذي يتضمن موافقة مجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة (قيادة الناظر ترك) الاستثمار في مشروعات سواحل البحر الأحمر شريطة ان يتم ذلك بموافقة اهل المصلحة والمجلس الأعلى للنظارات البجا والعموديات المستقلة. هذا القرار يعني عدم رفض المجلس من حيث المبدا خصخصة المواني السودانية حتى لو كانت خصخصة كاملة ببيعها لقطاع خاص او دول اجنبيه وايضا عدم ممانعتهم لإنشاء مواني جديدة من قطاع خاص ودول اجنبية بشرط موافقتهم هم، مجلس النظارات وأصحاب المصلحة الآخرين وهم أهالي المنطقة. نعم مجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة من حقهم التحدث في التوظيف ونصيب ولاية البحر الأحمر في موارد المواني ومواضيع المسؤولية المجتمعية ولكن التحدث في بيع المواني او أنشأ مواني جديدة موضوع سيادي يهم أمن الدولة السودانية ولذلك الحديث فيه يمثل تجاوز لاختصاصاتهم واختصاصات الحكومة الانتقالية الحالية.
من المعلوم ان دولة الإمارات العربية المتحدة ظلت تتربص بالمواني السودانية منذ نظام البشير السابق وزادت مطامعها في المواني السودانية بعد ثورة ديسمبر حيث أصبحت تستخدم لذات الغرض رجال الأعمال السودانيين وبعض من قيادات العسكر وقيادات أحزاب الحرية والتغيير بما فيهم رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك واخيرا القيادات الأهليه في شرق السودان حتي دخلت مطامع دولة الإمارات ضمن توصيات مؤتمر سنكات الثاني الذي تمت الدعوة له للحضور من كل أرجأ السودان وتمت تغطية كل نفقات الحضور رغم شح ألموارد المالية لمجلس النظارات في الوقت الراهن ولكن دون أن يعلم احد مصدر تمويل تكاليف المؤتمر الباهظة!! .
عموما، في شهر يونيو الماضي عندما احتد الخلاف بين مكونات مجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة رشحت فى الإعلام السودانى ان دولة الإمارات العربية بشراكة مع رجل أعمال سودانى تنوي انشاء ميناء جديد على ساحل البحر الأحمر وذلك بغرض فتح منفذ جديد للتجارة الخارجية ليكون منافس للموانى السودانية وفى مقابل ذلك ستودع مبلغ 300 مليون دولار فى بنك السودان.
فى الحقيقة توقيت الصفقة مريب خاصة فى ظل حوجة الدولة السودانية لعملات حرة نتيجة لتوقف كل المساعدات الخارجية للسودان بعد 25 أكتوبر الماضى والغريب فى الأمر أن دولة الإمارات حاولت فى أواخر عهد حكومة البشير فى ظل ظروف اقتصادية مشابهة شراء ميناء بورتسودان عبر شركة فلبينية بمبلغ زهيد لحكومة السودان ولكن لحسن الحظ لم تتمكن من تمرير الصفقة فى ذلك الوقت نتيجة لتسلرع الأحداث السياسية فى تلك الفترة ولكن بعد الثورة خلال طيلة الفترة الانتقالية استمرت تطرق على نفس الهدف مستخدمة عدة واجهات وعملاء لها.
خصخصة الموانى بصورة كاملة من خلال السماح لدولة اجنبية او قطاع خاص لميناء جديد يتضمن مخاطر عالية لا تعوض بمبالغ مالية مهما كانت الحوجة الظرفية إذ انها تمثل انتهاك للسيادة الوطنية لأن الموانى من المرافق الحساسة التى لا ينبغى التفريط فيها حيث أن من عبرها يتم اخترق أمن الدولة والمجتمع وتفقد الدولة سيادتها كما أن الخسائر الاقتصادية باهظة خاصة عندما يرتبط الأمر بتدمير الموانى الوطنية القديمة ، علما بأن الإيرادات السنوية لميناء صغير مثل ميناء جيبوتى تصل اثنين مليار دولار سنويا ،
يبقى السؤال لماذا لا يتم إدخال الاستثمارات الأجنبية لتطوير وتوسعة الموانى الموجودة من خلال آلية تحفظ للطرفين، الحكومة والقطاع الخاص، حقوقهم بدلا عن قيام موانى جديدة على انقاض الموانى القديمة.
الخصخصة فى الموانئ البحرية فى كل الدول التى تمتلك سيادة على اراضيها لا تتجاوز خصخصة ادارة الخدمات بينما تظل الأصول مملوكة للدولة او قابلة لايلولتها للدولة بعد فترة معينة ويتم كل ذلك فى اطار قانون ينظم العلاقة بين أصحاب المصلحة ولا تتم بهذه العشوائية التى تمارس فى ظل الوضع الراهن الذي لا يوجد فيه قانون خاص بادارة الخصخصة وأنواع الخصخصة المستهدفة .
من الأشياء الهامة فى هذا الإطار لا ينبغى ان تتبنى وتنفذ حكومة انتقالية لم تمنح اى تفويض من الشعب مشاريع مصيرية كبيرة كهذه تهم أجيال المستقبل مثل بناء موانى جديدة ويجب ترك ذلك من مهام الحكومة المفوضة التى تحكمها سلطة تشريعية ممثلة فى مجلس شعب منتخب واعلام حر يكشف انشطة الفساد المالي والإداري في الدولة علمآ بأن الخصخصة هي احد منافذ الفساد في كل دول العالم . مايثير الدهشة فى هذا الصدد استعجال دولة الإمارات لتدمير الموانى السودانية قبل انتهاء الفترة الانتقالية عبر عملاءها من رجال الأعمال والسياسيين والعسكر والادارات الأهلية فى الشرق .
ينبغى للجميع التمحيص والتريس فى أمر الموانى البحرية خصوصا فى الفترة الراهنة التى تكتنفها الكثير من الضبابية والفوضى ، وكما ينبغي أن يدرج موضوع خصخصة المواني ضمن الموضوعات السيادية التي تمس أمن واستقرار الدولة السودانية وبالتالي ليس هو من اختصصات سلطة مركزية غير مفوضة من الشعب ولا من أي إدارة أهلية اي كانت ..