أخبار محلية

خبير موانئ بالأمم المتحدة يحذر من مخاطر إنشاء ميناء (أبوعمامة) بالبحر الأحمر

خبير موانئ بالأمم المتحدة يحذر من مخاطر إنشاء ميناء (أبوعمامة) بالبحر الأحمر

د.الحبر: الوفد المفاوض من الجانب السوداني غير متخصص، والهدف من المشروع الحيلولة دون تطوير الموانئ القديمة وتدميرها ومن ثم شرائها بأبخس الأثمان

في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة الأحداث في السودان وسط أجواء تعاني من حالة عدم الاستقرار وشبه غياب للحكومة والدستور، ثمة اتجاهات جديدة لسلطة الأمر الواقع بالخرطوم بإنجاز صفقة كبيرة لإنشاء ميناء جديدة عبر استثمار وتمويل إماراتي في منطقة (أبو عمامة) على ساحل البحر الأحمر، ودون شك هذه الخطوة تفتح باباً واسعاً للتساؤلات، بدءاً من طبيعة التوقيت والمنطقة المقصودة مروراً بالجدوى الاقتصادية والتأثيرات السلبية المتوقعة وانتهاءً بالأسس والمعايير السليمة المتبعة في مثل هكذا مشاريع.

(الراكوبة) أجرت مقابلة صحفية مع خبير تطوير الموانئ بالأمم المتحدة، المستشار محمود الشيخ إدريس الحبر، الذي عمل لسنوات طويلة رئيساً لإدارة النقل والتخطيط للموانئ بمنطقة الشرق الأوسط التابعة للمنظمة الأممية، كما أنه مؤخراً كان ضمن فريق البنك الدولي الذي قام بدراسات حول الموانئ السودانية، فضلاً عن أنه عمل مستشاراً لفترة محدودة في وزارة النقل والبنية التحتية إبان حكومة حمدوك. حاولت أن أطرح عليه عدداً من الأسئلة الراهنة وخرجت بالحصيلة التالية…

أجرى المقابلة- محمد الأقرع

ـ في البدء كيف تقيم أداء النقل في البلاد خاصة البحري منه والجهات الرسمية المختصة والمسؤولة عن هذا القطاع …؟

النقل يتكون من النقل البري (سككي وطرق) ومائي (بحري ونهري) وجوي ومتعدد الوسائط و بالانانيب، ويعتبر النقل من أهم قطاعات الخدمات ، إلا أنه وعلى مر العصور في الدولة السودانية لم يعطي هذا القطاع حقه كما هو الحال في مصر و غيرها من دول الخليج، فمثلاً الوزارة تعاني من إشكالات هيكلية بعدم وجود إدارات أو حتى مكاتب لأنماط في غاية الأهمية كالنقل البحري للتخطيط وتنفيذ المشروعات وإعداد و تطوير التشريعات البحرية و قوانين و لوائح المواني، بالإضافة إلى أن وزراء النقل في معظمهم ليس لديهم معرفة أو خبرة كافية بانماط النقل و خاصة البحري و كذلك العاملون بالوزارة لديهم نقص في التخصصات و في الاعداد الكافية لتغطية أنماط النقل بصورة عامة و عدم وجود متخصص واحد في مجال النقل البحري والموانئ البحرية حتى تاريخه.
نلاحظ أن وزارة النقل يطلق عليها أحياناً وزارة النقل والبنى التحتية وهو اسم مبهم، اذا كان البني التحتية لوزارة النقل فلماذا لا تضاف كذاك لكل الوزارات كالزراعة و الصحة مثلا، وأحياناً أخرى تسمى وزارة النقل والطرق والجسور وهو مسمى أغرب فكيف تسمى الجزء مع الأصل في الجسور جزء من الطرق و الطرق جزء من النقل و عليه لا داعي لاضافة الأجزاء الي الأصل خاصة أنه في معظم الدول تسمي وزارة النقل فقط ..؟.ان مسؤولية الوزارة يجب ان تتمركز في التخطيط لكافة أنماط النقل وإعداد ومراجعة التشريعات ومتابعة تنفيذ المشروعات، إلا ان الوزارة حقيقة ليس لديها كفاءات متخصصة كافية تقوم بذلك، وعليه يمكن القول أن ما يقوم به بعض القائمين أحياناً في الوزارة هو عمل غير منتظم وليس بواسطة إدارات تقوم بالمتابعة و عليه يتم كعمل فردي متقطع un institutional اما بالنسبة للنقل البحري أو السلطة البحرية فهي غير متواجدة سواء كان على مستوى إستكمال قانونها أو الإدارات الخاصة بالتخطيط والإنشاء وتطوير شركات الملاحة الوطنية و دعمها National Carrier كالخطوط البحرية السودانية، و لا توجد إدارة أو حتى متخصص واحد في وزارة النقل للقيام بذلك النشاط الهام في قطاع النقل وانا مسؤول تماما عما أقول، وينطبق ذلك أيضاً على الموانئ البحرية كافة التجارية وغيرها.

– لكن هناك هيئة الموانئ البحرية وهي جهة لديها خبرات طويلة …؟

هيئة الموانئ البحرية تعتبر هيئة تنفيذية ليست تخطيطية، هي منغمسة في تخطيط و تنفيذ العمل اليومي وحل المشاكل التي لا تحصى و لا تعد و لا يوجد عمل تخطيطي ملحوظ لديها فيما يتعلق باحتياجات الدولة من الموانئ باختلاف انواعها، هذا الجانب يفترض أن تقوم به وزارة النقل وليس هيئة الموانئ التي ليس لها وقت ولا إمكانيات بشرية ومادية ومعلوماتية بالنسبة للتجارة الخارجية و غيرها.وأعتقد أن الحديث عن تردي خدمات الموانئ البحرية السودانية لا يسع المجال الدخول فيه والنتيجة توقف العديد من الخطوط الملاحية الدولية المعروفة من إرسال بواخرها للواردات والصادرات الأمر الذي نتج عنه توجه الصادرات السودانية إلى الموانئ المصرية للإيفاء بالتزاماتها نحو عقود التصدير مع الجهات الخارجية وهذه نكبة أخرى.لكن وبالرغم من التعقيدات والمشاكل التي تواجه الموانئ السودانية إلا أن إيجاد الحلول لها ليس مستعصياً متى ما توفرت الرغبة والنية من مجتمعات هذه الموانئ و في المرتبة الأولي من الدولة ممثلة في وزارتي المالية والنقل، وهنا أشير إلى مخاطبتي لمجلس الوزراء في حكومة حمدوك الثانية عام 2020م وتحذيري بصريح العبارة بأننا في السودان ليس لدينا موانئ بالمعنى المعروف دوليا لاستقبال ومناولة وتداول الحاويات خاصة في حالة حدوث طفرة في الاقتصاد السوداني.يجب العلم انه لدينا فقط 4 مراسي يمكنها استقبال من ٣ الي ٤ بواخر حاويات حسب احجامها و أنه ستحدث bottle neck عنق الزجاجة كتعبير للاختناق و أنه يجب الإسراع في إعداد واستكمال دراسات الجدوى لتوسعة الميناء الجنوبي لمناولة الحاويات وهي توسعة مخططاتها جاهزة، وإعادة خطط وبرامج التشغيل في الميناء الأخضر للاستفادة من الطاقات غير المستخدمة فيه ومراجعة طرق ونظم العمل المتبعة في الميناء الشمالي (مناولة البضائع العامة) بطرق بدائية غير متوفرة في أي دولة في العالم (العتالة) وهي من مخلفات القرن السابع عشر وإيجاد الحلول المناسبة للعمالة الفائضة ـ هناك (14) ألف إجمالي العمالة ـ مع ضرورة إنصافهم بالكامل فهم يعملون في أجواء صعبة ويحملون البضائع على ظهورهم علماً أنه عمل غير إنساني، و انه لابد من إنصاف هؤلاء العمال وتوفير وظائف أخرى بديلة بانشاء انشطة متكاملة مع عمل المواني و اخري سياحية و صناعية علي سواحل البحر الأحمر توفر لهم العيش الكريم الذي يستحقونه.

– ما تعليقك على المباحثات التي تدور بين السودان ودولة الإمارات والتي كشف عنها وزير المالية خلال الأيام الماضية، بغرض إنشاء ميناء جديد بشرق البلاد …؟

المطلوب قبل إنشاء ميناء جديد مثل (أبوعمامة) أن تقوم الدولة بدراسة تأهيل واستكمال التوسعات المتوفرة مخططاتها وإزالة العقبات التي تواجه الموانئ الحالية (بورتسودان وسواكن) للوصول للطاقات و الكفاءة المقبولة إقليميا و دوليا للوقوف على الطاقات النوعية الحقيقية من الإمكانيات المينائية المتوفرة لدينا من مراسي وموانئ جديدة، ولأي نوع من البضائع والمواد والحاويات و نظم التشغيل و مشاكل العمالة، وبعد استكمال هذه الخطوة الاساسية نقوم بعمل دراسات الجدوى للوصول لمشاريع الموانئ المطلوبة، مع الأخذ في الاعتبار قدرات وطاقات الموانئ القائمة في بورتسودان وسواكن وغيرها، ومن ثم تقوم الدولة بعرض هذه المشاريع للانشاء بقروض أجنبية مثلاً أو بعقود المشاركة مع القطاع الخاص الوطني أو مع الدول الاقليمية والأجنبية وإن كانت الإمارات أو قطر أو تركيا أو غيرها فلا غبار علي ذلك حتي يتم حسب الاصول المعروفة. مشروع (أبوعمامة) بدأ بالعكس، ولا يمكن أن يستقيم ذلك، أولاً موانئ دبي وأبوظبي الإماراتية تخططان وتعملان معاً للمصلحة العامة لبلادهم، موانئ دبي تدير موانئ عديدة الآن تفوق (70) ميناء في المنطقة وحول العالم وهي عادة محطات حاويات حيث تخصصت في هذا المجال باستخدام أفضل المتخصصين في تسويق تلك الخدمات وإبرام العقود طويلة الأمد واختصاصيين في حركة وتجارة الحاويات في المنطقة خاصة عبر موانئ البحر الأحمر وهذه إنجازات وعمل يجب ان يفتخر به كل من ينتمي إلى الوطن العربي، فلا نلوم الناس بنجاحاتهم، لكن يقع اللوم على الذين يريدون السير دون تخطيط ومعرفة ونتعظ بتجارب موانئ جيبوتي وعدن التي وقعت في مثل هذه الأخطاء بعقود فيها الكثير من الثغرات ومن ثم قامت بفسخها. و نظراً لعدم تمكن دولة الإمارات من الحصول على عقد تشغيل الميناء الجنوبي للحاويات سابقا في بورتسودان فأنه من الممكن أن تقوم بتشغيل ميناء أبو عمامة الذي ستقوم بتمويله بما يتواءم مع خططها لاستخدامات موانئ البحر الأحمر التي تقوم بإدراتها وتشغيلها أو الموانئ الأخرى التي خرجت عن إدارتها، أي توجه تشغيل ميناء (أبوعمامة) عند إنشائه ليتوائم مع مصالحها وضمن سياسة و استراتيجية إقليمية تشمل العين السخنة وجدة وجبل علي وراشد، وبذلك ميناء(أبوعمامة) يخرج فعلياً عن سيطرة الدولة السودانية وخططها المينائية للتجارة الخارجية التي سوف يتم الاهتمام بها بإذن الله في عهد الدولة المدنية كأولوية قصوى للأمن البحري و الاقتصادي.أما ميناء أبوعمامة فسوف يدخل ضمن منظومة موانئ البحر الأحمر التي تديرها دولة الامارات، وهذا ما حدث في جيبوتي وعدن، وهنا أذكر أنه في بعض شروط العقود المماثلة على وجه المثال الاشتراط على الدولة صاحبة الميناء بعدم قيامها بإنشاء ميناء آخر منافس، وهو ما يعني السيطرة الكاملة على التجارة الخارجية السودانية.بالتأكيد موانئ دبي ذات امكانيات فنية و تمويلية ضخمة، و اذكر انه رشح في الاخبار حين فازت دبي العالمية بعقد تشغيل أحد الموانئ الهامة في أمريكا، قامت جهات أمنية أمريكية بتحذير الرئيس أوباما وقتها من الخطورة الامنية الاستراتيجية في حالة قيام شركة أجنبية بإدارة وتشغيل ميناء وطني مما دفع “أوباما” بالإتصال برئيس دولة الإمارات والاعتذار عن قبول العقد، وهنا يمكن قراءة أشياء كثيرة تحت السطور.
هل ثمة مزايا تفصيلية تجعل هذا المكان (أبوعمامة) نقطة تدفقات مالية ضخمة ..؟

عادة ما تقوم الدولة باختيار أكثر من موقع للموانئ المراد إنشائها بواسطة شراكات داخلية أو خارجية ضمن خطط استراتيجية في الساحل ولا يترك للمستثمر التجول واختيار المكان الذي يراه مناسباً له، وهذا لا يحدث الا في السودان المستباحة حدوده، وما يدور بشأن مشروع (أبوعمامة) مسألة عجيبة جداً، دولة من الخارج ومستثمر سوداني يختارون لهم مكان في الساحل، إذا أردت مثلا أن تبنى منزل في حي لا يتم بهذه الطريقة، فما بالك في الساحل و ما يمثله من خطورة امنية للدولة، و كيف يسمح لهم او لاي كائن ما كان اختيار هذا المكان الذي يمكن أن يتعارض مع خطط الدولة، ” إذا كان لها خطط حاضرة أصلاً و هذا شان داخلي”.

ـ صفقة بقيمة (4) مليار لإنشاء ميناء ومشاريع مصاحبة يقول البعض أنها قادرة على إنعاش الاقتصاد، كيف ترى الأمر وما القدرة التي يمكن أن يوفرها هذا الميناء الجديد في عملية المناولة بالمقارنة مع الموانئ العاملة الآن بالبلاد ..؟

الميناء الذي سيقام قيل أنه لتصدير المنتجات الزراعية، أول مرة نسمع بميناء يقام من أجل مشاريع زراعية فقط لا توجد معلومات كافية بشانها، وإذا كان الميناء سيقوم لتصدير المنتجات الزراعية لمشروع واحد أو مشروعات زراعية يفترض أن يكون ميناء متخصص وبمخطط وطاقات وبنى تحتية مخططة مثل الموانئ الصناعية كمثال، أذكر في أحدى المرات و بناء علي طلب سلطنة عمان من منظمة الأمم المتحدة (اسكوا ) قمت بمراجعة المخططات التي قامت بها منظمة (جايكا) اليابانية لإقامة ميناء في منطقة صحار شمال السلطنة لخدمة الصناعات على وجه الخصوص و بذلك اختلفت الأهداف و نوعية الأرصفة و المواصفات و انظمة التشغيل لمواءمة الأهداف التي سوف يحققها.ميناء (أبوعمامة) لا نعرف تفاصيله التي يفترض أن تكون قد تمت مناقشتها بمشاركة وفد سوداني غير متخصص، و لا نعرف غير أنه للمنتجات الزراعية لمشاريع زراعية، وبناء علي ذلك و بمفاهيم و بثقافة الموانئ البحرية فإنه من المفترض أن يكون ميناء متخصص وصغير نسبيا فهل يا ترى سيكون كذلك؟ في اعتقادي و بقليل من المنطق أن هذا الميناء سوف يناول المنتجات الزراعية في حاويات الا ان الهدف الكبير هو إنشاء ميناء لديه طاقات هائلة لمناولة الحاويات التي أصبحت تستخدم في كافة صادرت السودان حتى البرسيم يصدر عن طريق الحاويات و بالتالي سيقوم بمناولة كافة انواع الواردات و الصادرات السودانية، وهو الأمر الذي سيقضي على ميناء بورتسودان دون شك خاصة في حالة عدم تطويره و تحديثه من كل النواحي لأحداث امل في قيامه بمنافسة ميناء أبو عمامة المتوقع إقامته علي أحدث النظم إن تم ذلك.هذا المشروع كان المفروض أن يحدد أولاً، ما هي أنواع المنتجات الزراعية وهي من أولى المعلومات التي يجب أن توفر، هل توجد دراسة في المشاريع الزراعية، ماذا تنتج وكم هي الكمية ؟ وهل تحتاج إلى ميناء جديد أم يمكن مناولتها في ميناء بورتسودان بعد توسعته وتطويره و تحديثه ..؟. و في هذا السياق أعتقد أن المبلغ الذي سيصرف فيه بالمليارات كان من الأجدى توفير ملايين فقط من الممولين ايا كانوا لتطوير ميناء بورتسودان.

ـ الظاهر أن هناك تنافس محموم بين دول إقليمية للحصول على موطئ قدم في الساحل السودان، ويبدو أن دولة الإمارات نشطت كثيراً ولسنوات في ذلك ما الأسباب برأيك وكيف يمكن أن ننظر لمستقبل هذا المشروع ..؟

الموقع الجغرافي للموانئ السودانية (بورتسودان وسواكن) وسط سواحل البحر الأحمر وعلى طرق التجارة الدولية وإطلالتها المباشرة على دول إفريقية عديدة ليس لديها موانئ بحرية مثال جنوب السودان وتشاد وإفريقيا الوسطى وغيرها تعتبر مناطق جاذبة لتجارة الامارات عن طريق الموانئ السودانية وهذا من الأسباب الرئيسية، وليس الغرض مشاريع زراعية كما يقال، لأن الأمارات توسع في تجارتها أو لنقول تجارة إعادة الشحن المسافنة Transhipment و بالنسبة للسودان الترانزيت عن طريق البر، الإمارات تستخدم موانئ دبي بحنكة كبيرة وليس بوسائل التجارة العادية فقط، وإنما توظف علاقاتها مع الأنظمة الحاكمة للدول التي ترغب في مشاركات في إنشاء موانئ أو تشغيلها، والراجح أن ذلك ما تم توظيفه بخصوص ميناء أبوعمامة. تقوم الإمارات بإدارة وتشغيل عدد من الموانئ في المنطقة وجميعها يعتبر منافسةً للموانئ السودانية خاصة في حالة تطويرها، و هناك ميناء العين السخنة في مصر وأيضا ميناء في جيبوتي وعدن تلك الدول التي وصلت إلى أن هناك نقاط ضعف في العقود لا تتماشى مع مصالحها وتم إلغاءها ، وهنا تكمن الإشكالات حيث قامت بالتوقيع على عقود طويلة الأمد تصل إلى 50 و90 سنة وتكتشف أخطاء قاتلة تتعارض مع الخطط و التطلعات المستقبلية للموانئ الوطنية التي تخدم اقتصاد البلاد ، وهذا يأتي نسبة لعدم الخبرة في التعامل مع مثل هذه العقود المتخصصة جداً التي يمكن أن يقع غير المتخصصين في شراكها بعد فوات الاوان وتتحملها البلاد تعويضات في حالة الإخلال أو فسخ العقود، علماً ان دولة مثل الإمارات لديها متخصصين من ذوي الخبرة والمعرفة بمجال انشاء المواني و كذلك الاستئجار طويل الأمد وفي الجهة المقابلة (الجانب السوداني) ربما يضم مستشارين قانونيين لكن في مجالات أخرى غير بحرية. في سياق الأسباب يمكن أن نقول أن الدول تعمل على الدوام في تقويض أي ميناء منافسة لأنه سيؤثر على الموانئ التي تحت سيطرتها او تديرها و بذلك تقوم بلجامها و حد قدراتها و هذا شيء طبيعي لا تلام عليه الإمارات أو غيرها.

كيف تقيم الوفد المفاوض أو الجهات الرسمية التي تدير صفقة مشروع (أبوعمامة)، وبالتوازي ما هي الأسس السليمة التي من المفترض إتباعها في توقيع مثل هكذا عقود ..؟

النقطة الأولى أن الوفد برئاسة جبريل إبراهيم وزير المالية ومن المفترض أن يكون برئاسة وزير النقل او علي الاقل بحضور وزير النقل، الوفد كذلك حسب ما رشح في الإعلام يضم أشخاص غير متخصصين في النقل والملاحة البحرية والموانئ، وهي علوم أساسية يتطلب ان تصاحبها خبرات طويلة في الملاحة بمنطقة البحر الأحمر وحركة التجارة فيها، وأهداف وأنواع وأنشطة الموانئ لخدمة التجارة الخارجية و معرفة بواقع المواني السودانية، و يعني ذلك حضور مدير عام هيئة المواني و متخصصين من هيئة الموانئ البحرية، يمكن وصف الوفد بانه سياحي لا أكثر، قام الوفد بزيارة موانئ الإمارات ومصر الأمر الذي يطرح سؤال كيف سيقومون من خلال الزيارة بتقييم هذه المواني فنيا و ملاءمة خدماتها مع ابو عمامة الذي تختلف اهدافه المعلنة مع أهداف الموانئ التي قاموا بزيارتها ؟ الأمر ليس بهذه السهولة، و هل يمكنني مثلاً أن أذهب إلى حضور عملية جراحية في مستشفى بالقاهرة أو في اي دولة أخرى لمعرفة كيف تجري العمليات ولم أدرس الطب ليوم واحد ..؟ وهل أستطيع أنا مثلا الذهاب إلى وزارة المالية والقيام بمهامها المالية المعقدة و هل سيسمحوا لي..؟ لا أعتقد بالتأكيد. أتمنى أن أجلس مع الوزير جبريل والوفد المرافق لمناقشتهم حول ملاحظاتهم الفنية التي توصلوا لها ورؤيتهم للميناء الجديد من حيث المخطط والتشغيل على ضوء هذه الزيارات الخاطفة التي ربما أشادوا بها خير إشادة. لا يمكن أن يمضى عمل بهذه الطريقة لكل ميناء خصائصه في الدولة الواحدة دعك من دولة الي أخرى.السودان لديه كم هائل من المتخصصين السودانيين من القباطنة والضباط البحريين والمهندسين البحريين ذوي الخبرات الهائلة الذين يعملون في دول الخليج كما يوجد خبراء سودانيين عملوا في منظمات دولية في مجال تخطيط وتشغيل النقل البحري و المواني البحرية و كذلك لدينا خبراء في مجالات الإدارة البحرية من السلامة البحرية والتلوث البحري والتشريعات البحرية وقانونين في مجال النقل البحري و الموانئ البحرية و تشريعاتها و قوانين تشغيلها. ألم يكن من المنطق أن يكون بعض هؤلاء ضمن المفاوضين على مقترح لانشاء ميناء جديد.

– برأيك لما الاستعجال، وما التأثيرات السالبة بشكل دقيق على الموانئ القديمة في الساحل السوداني وما المخاطر التي يمكن أن تواجه البلاد ..؟

أتفق تماماً مع ما أورده في مداخلة د.إبراهيم أونور من جامعة الخرطوم وهو لديه مداخلات مفيدة بخصوص مواني بورسودان، إذ قال “أن الهدف من ميناء أبوعمامة واضح و هو الحيلولة دون تطوير الموانئ السودانية بل تدميرها وبعد ذلك شرائها بأبخس الاثمان، وعندها لا تكون للسودان سيادة على موانئه، كما لم تتمكن الحكومة السودانية من إدخال أي مستثمر او شريك استراتيجي لتطوير الموانئ السودانية القديمة، في ظل وجود ميناء حديث وذلك لتدني الجدوى الاقتصادية للاستثمار في الموانئ القديمة”.

– ما القدرة التي يوفرها الميناء الجديد في عملية المناولة من حيث الآليات بالمقارنة مع الموانئ القائمة حالياً في السودان، والا يمكن أن يساهم مثل هذا المشروع في إنعاش تجارة (الترانزيت) لخدمة دول الجوار ..؟

نوع وحجم الميناء الجديد وأهدافه هي التي ستحدد أهميته الاقتصادية وكم سيصرف عليه من المبلغ الإجمالي من المشاريع الزراعية والطريق، الا أنه من المتوقع في حالة تصدير منتجات زراعية ستكون بواسطة الحاويات وعليه فأن الميناء متوقع أن يكون ميناء حاويات وربما إضافة أرصفة للبضائع العامة، وبذلك سيتم تزويد الأرصفة بالرافعات الجسرية Container gantry cranes والمعدات الثقيلة الأخرى المصاحبة لها بالعمل في الساحات لتداول الحاويات وشحنها علي الشاحنات، أما أرصفة البضائع العامة فأنه من المتوقع حسب نوعية وحمولات البضائع المراد تصديرها من المنتجات الزراعية إذا صح ذلك ستكون رافعات رصيف كهربائية لحمولات تتراوح عادة من 10 إلى 20 طن في الغالب مع رافعات للحمولات الثقيلة بحدود 100 طن.هذا المشروع سيقضى على الموانئ السودانية القائمة التي تضخ ملايين الدولارات في الشهر الواحد، لا يجب النظر إلى الاربعة مليارات التي من المفترض صرفها رغماً عن القصور والإهمال المقصود والتهميش البائن لشرق السودان خاصة، لا اعتقد بل أجزم أن هذه الصفقة لن تنعش الاقتصاد السوداني خاصة على المدى المتوسط والبعيد، فقط ستفاقم من معاناة أهلنا في شرق السودان عبر تحطيم الموانئ القائمة التي تمثل المنفذ الوحيد لهم للحياة الكريمة و لنقل المستورة حقيقة. أما تجارة (الترانزيت) في ظل هذه المشروع ستستفيد منه دول أخرى غير السودان، فما الفائدة في إهلاك طرقنا بالشاحنات لمصالح دول أخرى، الترانزيت يمكن تحقيقه بكل سهولة في حالة استكمال الميناء الجنوبي بعدد أربع مراسي إضافية مع تهيئة منطقة دمادمة للتداول والتخزين المؤقت للحاويات حتى استكمال فترة تخليصها بكل التعقيدات الحالية بواسطة الموانئ والجمارك والصحة والموازين و غيرهم من المعقدين، وهنا لابد من الإشارة بأن هذه الجهات من خلال هذه الإجراءات العقيمة تساهم وتشارك في جرائم قتل تجارتنا الخارجية عن قصد أو بدون قصد.

– الذين يؤيدون الخطوة يقولون أنها ضرورية في ظل عقبات كثيرة أصبحت تواجه ميناء بورتسودان .. ما تعليقك ..؟

ميناء بورتسودان عانى وانتظر طويلاً و لا ضير ان ينتظر أياماً معدودات حتى تأتي الدولة المدنية الديمقراطية التي يقودها التكنوقراط الذين لا ينتمون إلى أحزاب فاسدة فاقدة للضمير والوطنية ولا أي أيدلوجيات بائسة تضع مصلحة الوطن في المرتبة الأخيرة بعد مصالحها، وحينها سيتم بواسطة الشباب الوطنيين التخطيط السليم للتطوير وتشغيل الموانئ القائمة أولاً ومن ثم التخطيط وإعداد دراسات الجدوى للسعات المينائية وأنواعها التي يحتاجها الاقتصاد السوداني من واردات وصادرات وإعداد المشاريع لها وعرضها من الباب وليس من الشباك. إنني لا أرى مستقبل لهذا الاتفاق أولاً لأنه لم يأتي بالطرق المعروفة في الدولة لتقديم العروض للمشاريع الاستراتيجية و المنافسة الحرة لكل الدول الىاغبة و من ثم يتم الاختيار بكل شفافية، كما أن بعض الاغراءات المادية التي تمت لبعض مواطني المنطقة المقترحة ان صح ذلك، لن يكتب لها النجاح بعد الغموض و معرفة كل الحقائق حول هذا المشروع الخفي في اعتقادي.- بمناسبة الإغراءات كشف والي البحر الأحمر المكلف بموافقة الأطراف على التعويض الشامل لمواطني المنطقة وتوصيل أنبوبة من مياه النيل بجانب تدريب وتأهيل وتوظيف أكبر عدد من أبناء المنطقة كأولوية خاصة في مرحلة الإنشاءات، بحسب متابعتك الا يمكن أن يحدث ذلك حالة ترحيب وسط الأهالي الذين كانوا في وقت سابق يرفضون خطوات مماثلة أو مشابهة في تطوير ميناء بورتسودان ..؟ والي البحر الأحمر لا أكذب نواياه الحسنة لكنه ربما يرى بدون دراية فنية ما نراه، ولا نختلف حول رغبته في تطوير المنطقة وتوفير المياه والتوظيف وغيره إلا أن الأضرار التي سيتسبب بها هذا المشروع ستتجاوز كثيراً مسألة مياه الشرب التي لا علاقة لها بالميناء والأوجب أن تقوم بها الدولة المدنية كمشروع منفرد، أما التدريب والتوظيف في مشروع (أبوعمامة) سيقابله تعطل وشلل كامل للموانئ القائمة في بورتسودان ويفقد معظم العمالة وظائفهم و هي أعداد هائلة.أطمئن الوالي بأن تشغيل العمالة وتدريبها ستكون من الأولويات عندما يتم تطوير وتحديث ميناء بوتسودان ورفع كفاءته وطاقاته وتحفيز القطاع الخاص والأجنبي في المشاركة في المشاريع المساعدة على سواحل البحر الأحمر وأنشطة الموانئ والسياحة وغيرها.

– دخول رأس المال الوطني، مثل شركة (دال) كشريك في المشروع ـ بحسب ما أعلنت ـ الا يضمن نجاحه …؟

أنا من المؤيدين لمشاركات التمويل الأجنبي لأقصى درجة وإدخال القطاع الخاص السوداني في معظم انشطة الموانئ بما فيها التشغيل، وذلك لأن القطاع الخاص فيه ميزات غير متوفرة في القطاع العام، مثلاً عمل الموانئ يطلب سرعة في اتخاذ القرار وعدم وجود معوقات مثل المشتريات لقطع الغيار وشراء المعدات المكلفة لضمان استمرارية العمل وتفادي الغرامات الكبيرة التي تفرض على البضائع في بورتسودان ويكون سببها قطعة غيار ثمنها أقل من عشرين دولار يمكن أن تتسبب في تكلفة وخسائر باهظة بصورة يومية و ذلك نظرا لبيروقراطية العمل الحكومي. أما شركة (دال) فهي شركة قطاع خاص وطنية، مشهود لها بكفاءة العمل بصورة عامة ، إلا أنها في اعتقادي لم تتوفق وكذلك وزارة المالية في اتباع الطرق الصحيحة المعروفة محليا و عالميا فيما يتعلق بالسبل المتبعة التي اوضحتها اعلاه لعمل شراكات أجنبية و بمشاركة محلية من القطاع الخاص و خاصة القيام عبر دراسة الأمر من الوزارة المختصة وفق الخطط الوطنية المتعلقة بالنقل البحري وبالموانئ السودانية على وجه الخصوص وتحديد الموقع للاستثمار بناء علي الدراسات المتعلقة بها، ومن ثم تأتي شركة (دال) او غيرها من الشركات الوطنية بالاتصال مع الجهات الأجنبية الراغبة في الدخول معها في المشاريع الجديدة لوزارة النقل و المالية. وحسب ما أراه أن تكون الأولويات لتطوير وتحديث الموانئ القائمة في بورتسودان، أولاً من ثم الدخول في مشاريع إضافية جديدة تكون متكاملة من ناحية الأهداف و السعات لخدمة الاقتصاد السوداني الاني و المتوسط و البعيد المدى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى