أخبار محلية
أخر الأخبار

البجا والبحر اصدقاء في زمن العداء : الفريق دكتور عثمان فقراي

البجا والبحر اصدقاء في زمن العداء : الفريق دكتور عثمان فقراي

 

 

ظل التاريخ يحكي عن قبائل البجا وجودهم في منطقة البحر الاحمر والتي تشمل الساحل وسلسلة جبال البحر الاحمر التي تمتد من حلايب وجبل علبة وتمتد الى في منطقة جنوب دردريب ومنطقة دلتا القاش وتمتد السلسلة الى حدود السودان الى دولة ارتريا، اما الساحل يمتد في ولاية البحر الاحمر والذي يمتد من مرسى شلاتين شمالا وتنتورا الى ابو رماد دنقناب وعروس مرورا بببورسودان وسواكن وهيدوب الى عقيق وغقيتاي ومرسى تكلاي بالقرب من الحدود ؟

هذه الطبيعة الجغرافية خلقت نوعين من المجتمع احدهم بحري ويعيش على الساحل ويعتمد على البحر والاسماك والصيد باعتماد كلي على الموارد البحرية وهذا النمط يمارسه عدد قليل من قوميات البجا لانهم خلال هجراتهم القديمة ظلوا يقولون انهم من قوم ثمود هاجروا لهذه المنطقة قبل وجود البحر الاحمر نفسه ، لذا نجد ان البجا لديهم تقدير عالي ل(الابل) بشكل خاص لارتباطها الوثيق مع قوم ثمود ، ولكنهم بعد هجرتهم وجدوا الفراعنة الذين كانوا يمتهنوا الزراعة بشكل رئيسي وهذه التطورات جعلتهم ميالون للزراعة والرعي في الوديان التي استطونوها وصاروا مجتمعا بريا اكثر من كونه مجتمع بحري .

بدات حياة البجا تتصل بالبحر بعد فتح ميناء عيزاب من قبل سلطان الحجاز في ظروف الحروب الصليبية التي تاثر بها الحجاج كثيرا وهم الذين كان يعمل البجا معهم في تقل امتعتهم وادلاء وهذه العلاقة هي من قادت البجا للاقتراب اكثر من السفن والمؤاني بشكل عام وتذاوجوا مع العرب الحجازين وتحديدا قبيلة (البلي) وهي قبيلة عربية حجازية ، ومن هنا اتت كلمة (بلويت) لكل من يتحدث العربية نسبة لان البجا كانوا يتحدثون اللقاءات الكوشية القديمة .

جراء تدمير المماليك لمنطقة عيزاب وحرقها احالها الى رماد ومن جاءات التسمية (ابو رماد) التي كانت تتبع لي عندما كنت مديرا للشرطة ، وجراء ذلك انتقل العرب والحجازين والبلي الى سواكن ومن ثم انضم لهم الحضارمة الذين توالدوا مع البجا ومن بين اصلابهم خرج (الارتيقا) وهم اول من استوطن الساحل وثاني القبائل على الساحل هم (الكميلاب) وهم قبيلة عربية هاجرت الى من الجزيرة العربية واختلطوا مع البجا القدامى ، ودائما عندما نجد في اسم القبائل البجاوية الحالية (..لاب) هذا يعني انهم من القبائل البجاوية الاصيلة ، الى جانب قبائل البشاريين في جهة حلايب وشلاتين وهم قبائل البجا التي استطونت الساحل .

دخول الاسطول العثماني الى ميناء سواكن كان نقطة التحول الاكبر لامتهان البجا العمل البحري بكافة اشكاله المدنية والعسكرية بشكل خاص بعد تجنيد البجا للعمل في الاسطول العثماني الذي كانت واحدة من مهامه منع الرحالة البرتغاليين ومنهم دي كاسترو الذي وصل الى جزية سواكن وقام بادخل سفنه في ميناء سواكن ما قاد لانزعاج السلطان سليم العثماني وتجريده لاسطول البحرية الخاص بها لحماية المدينة وهذا الوجود قاد ايضا لقيام خليط من القبائل البجاوية والاتراك ومنهم (السمرار) .

كل هذه التطورات خلقت العلاقة ما بين البحر الاحمر والبجا الذين احترفوا صناعة السفن لجودة الاخشاب التي كانت تاني من عمق حزام الغابات السوداني ، ,والتي كان يتم تقطيعها واستخدامها في صناعة المراكب في ساحل سواكن وخور كلاب وفي منطقة قلامنجو وكانت تعمل في الصدف والكوكيان وهذه الحرفة اندثرت لان اخوننا في لجنة الامن القومية في الخرطوم في الثمانينات عندما كثر التهريب تم حظر المراكب ومصادرتها وهذه المصادرة جففت العمل في الساحل والجزر التي كان يعسكر فيها الصيادين وهذه القرارات جعلت هذه الجزر خالية من الوجود البشري واصبحت نهب للاجانب من الصوماليين والمصريين واليمنين ما جعل البحر الاحمر مستباحا لشعوب اخرى .

وهناك طفرة اخرى في علاقة البجا والبحر حدثت عندما تم تاسيس سلاح البحرية من قبل الرئيس ابراهيم عبود الذي كان يقول احكموا علينا باعمالنا ، وهو رجل قام بتطوير السودان في كثير من المناحي وهو ديدن العسكريين بشكل عام صحيح ان الحكم العسكري لديه مشاكل تتمثل في كبت الحريات وخلافه لكنهم الاكثر قدرة على الانجاز الكبرى لان الاستراتيجيات واحدة من العلوم الاساسية لدى العسكريين ، وحكومة عبود قامت بعملين اساسين سامها في ربط البجا بالبحر عبر تاسيس شركة الخطوط السودانية و سلاح البحرية على يد اللواء عبد الرحمن فرح وبالرغم من البجا من طبيعتهم عدم العمل في الجندية كما ان الانجليز ساهموا في هذا الامر لانهم لم يشجعوهم على سلك الجندية لانهم كانوا يتخوفوا ان يتمردوا عليهم وانا عندما كنت في كردفان لاحظت انخراط الكبابيش في سلاح الهجانة ومع ان البجا اهل ابل ايضا لكن لم يتم استيعابهم ، ولكن عند تاسيس سلاح البحرية انخرط كثير من ابناء بورسودان والسواكنية والبجا بشكل عام للعمل ضباط وضباط صف في سلك البحرية واصبحوا عماده الاساسي واصبح ابناء البجا يعتبرون سلاح البحرية هو سلاح الشرق الرئيسي لوجود قيادته العليا في مدينة بورسودان بعكس بقية الافرع ووحدات القوات المسلحة ، والاهم من ذلك ان كثير من الضباط واسرهم عند استيعابهم في البحرية يتحولوا تلقايئا لجزء من مكونات مدينة بورسودان ويتحولوا الى بجاويين من حيث الثقافة والعادات والانتماء للشرق ومثال لذلك اللواء محجوب بشرى قائد سلاح البحرية الحالي الذي نشا في كنف والده اللواء بشرى رحمة قائد سلاح البحرية في السبعينات والان كثير من ابناء البحر الاحمر عامة وبورسودان خاصة يعتبرون ان قائد البحرية الحالي شرقاوي او بورسوداني نتيجة لان اسرته استطونت من سنوات طويلة في الشرق كما ساهم وجود البحرية في ترقية الخدمات في مدن الساحل بشكل عام نتيجة لاسهامات الضباط المهندسين في البحرية في حل مشكلات الكهرباء على سبيل المثال ، بل حتى عند حدوث الاشكالات بين قبائل البحر الاحمر كان قادة البحرية تاريخيا هم من يتصدى لهذه الاشكالات والتاريخ القريب يشهد عندما وقعت الاشكالات في بداية العام 2020 بين النوبا والبني عامر لم يستغرب الناس تدخل الفريق بحري ابراهيم جابر عضو مجلس السيادة وتوصله لاتفاق القلد بين القبائل ليس لانه عضو مجلس سيادة ولكن لانه متشرب بالعادات والتقاليد في البحر الاحمر عندما كان قائدا في منطقة عقيق البحرية التي يذكره اهلها جيدا نسبة لتقديمه كثير من الخدمات لاهل المنطقة والان اهل البحر الاحمر يعتبرونه صمام امان ملجا لحل اشكالاتهم في العاصمة الخرطوم ويلجاون له دائما خاصة وان اهل الوسط وبقية مناطق السودان لا يعرفون الكثير من دقائق عادات وتقاليد البجا لذا تاني كثير من الاخطاء تاتي من قيادات في الخرطوم لا يعرفون البجا بالقدر الذي يؤهلهم للتصدي لمشكلات الشرق عامة والبحرالاحمر خاصة ، وهذا التقدير ناتج من ان البجا يعتبرون البحرية جزء من مجتمعهم لان قاعدتها الرئيسة من الجنود وضباط الصف ينحدرون من قبائل البجا بشكل عام وهو ما ساهم في تحول البجا الى مجتمع بحري رغم انهم اهل بادية وبر اكثر من البحر لذا الجيل الحديث من الخمسينات الى الان اصبح البجا مجتمع بحري لذا العسكريين هم الاكثر دراية بالبحر الاحمر ومعهم من خدم من المدنيين والاكاديميين والموظفين الذين عاشوا في الشرق بشكل عام ما قادهم لان يكتبوا عن البجا الكثير من الدراسات ومثال لذلك البروفسر يوسف فضل وهو من كتب تاريخ البجا وكذلك بروفسر جعفر مرغني صاحب اطروحة ان البجا هم من قوم (ثمود) وتاسيسه التاريخي والاكاديمي لرحلتهم من الجزيرة العربية الى جبال وسهول نهر القاش وكانت واحدة من اسهامات الانجليز انهم اقاموا مشاريع لاعاشة البجا احدهم مشروع طوكر الزراعي ودلتا القاش التي يستوطن فيها قبائل الهدندوة بعكس منطقة البحر الاحمر التي تعتمد على المواني والمعادن التي تكثر في منطقة جبيت واستزراع الاسماك ويذكر اهل البحر الاحمر مستر بول الانجليزي الذي كان يستزرع الصدف في منطقة دونقناب لاستخراج اللؤلؤ.

وهناك مظالم تاريخية وقعت على شعب البجا واقعدت بتقدمهم ومن ذلك تجهيل هذا الشعب بحرمانه من التعليم نتيجة لهذمتهم للانجليز في معارك تاماي عاقبوا البجا بحرمانهم من كل سبل المعرفة والاستقرار وهذه التفاصيل والتعقيدات والعلاقات المتقاطعة ما بين البجا وبقية شعوب السودان المختلفة ومؤسساته وتفاصيل مشكلاته لا يعلمها الا رجال في القيادة العليا الحالية ومنهم الفريق ابراهيم جابر الذي نجح في تدارك المشكلة الامنية التي وقعت في مدينة بورسودان حيث ذهبنا معا وقمنا باخماد الفتنة لحظة وقوعها العام 2020 بتوقيع اتفاق القلد وتعهد المتخاصمين والمختلفين امامه باحترام القلد الا انهم افتتنوا فيما بينهم لاحقا لاسباب مختلفة لذا نحن نعتقد في البحر الاحمر ان المرجعية الاساسية لقضايا الساحل السوداني ومواطنيه يجب ان تكون لسلاح البحرية الذي نعتبره الاكثر تفهما وقدرة على فهم مشاكل الساحل وندعو بشكل مستمر لتطويره لحماية الموارد والشعب من ان يتم التلاعب بها ليصبح اسوة بالبحرية الامريكية التي يحترمها الشعب الامريكي كثيرا وكثير قيادات البحرية الامريكية بعد تقاعدهم نجدهم دخلوا معترك السياسة وتم انتخابهم وزراء ورؤساء ليس لخلفيتهم العسكرية فقط ولكن لانهم الاقدر على فهم تطلعات شعوبهم وتقدير مواطنيهم لهم باعتبار انهم يجمعون ما بين العسكرية والاكاديميات والرؤى الاستراتيجة والفهم العميق لتعقيدات ومتطلبات كل مرحلة وهذا ما يحتاجه اهلنا البجا في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ السودان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى