أخبار محلية
أخر الأخبار

قراءة في كتاب : ( من حقيبة العمليات.. ذكريات ومؤانسات) ، مخطوط نادر وهو الأول من نوعه حول الموانئ السودانية

قراءة في كتاب

( من حقيبة العمليات.. ذكريات ومؤانسات) ، مخطوط نادر وهو الأول من نوعه حول الموانئ السودانية

 

الكتاب روائي قصصي شيق والأسلوب يجمع ما بين الطرافة والجدية مع عنصر التشويق ويغلب عليه أسلوب (أدب الرحلات)

 

 

بقلم : عوض البارئ محمد طه

غاية ما أسعدني ان أهداني الخبير المينائي المعروف الأستاذ عبد القادر أبو علي كتابه النادر ( من حقيبة العمليات.. ذكريات ومؤانسات) ، وأقول النادر لأنه الأول من نوعه حول الموانئ السودانية ذاك ان الذين سبقوا عبد القادر في مجال الموانئ أو أعقبوه لم يوثقوا لتجاربهم بذات الطريقة التي وثق بها على الأقل ، وبما ان الموانئ السودانية البحرية جميعها على ساحل البحر الأحمر إذا استثنينا النقل النهري والذي أصبح الان قطاعا منهارا بفعل سياسات الإنقاذ وسوء إدارتها التي دمرت كثيرا من القطاعات الحيوية فان الكثيرين من أهل السودان الواسع في البقاع الأخرى لا يعلمون الكثير عن تفاصيل الموانئ البحرية وطبيعة عملها ومصلحاتها ، وهنا لا أتحدث عن العوام ولكن حتى المثقفين يشملهم هذا الحكم الذي أرجو ان لا يكون جائرا ، فالكثيرون لا يفرقون بين هيئة الموانئ البحرية والخطوط البحرية السودانية بل يعتقد البعض ان الموانئ البحرية تمتلك أسطولا من البواخر!! ومما رواه لي عبد القادر أبوعلي نفسه ان مسؤولا رفيعا سأله ذات مرة : كم عدد البواخر لديكم ؟ فأجابه ولا باخرة ، فبدا الاندهاش على الرجل ..!!

كما أنني مررت بتجربة مشابهة مع احد الزملاء الصحفيين عندما أُعلنت تصفية الخطوط البحرية السودانية فهاتفنى الرجل حينها متسآئلاً : قالوا سودان لاين صفوها .. فأجبته نعم ، فسألني على الفور _ وكان مدير الموانئ حينها الدكتور جلال شليه _ أهااا وشليه رايو ( رأيه) شنو ؟ فقلت له وما شأن شلية بتصفية (سودان لاين) ؟؟؟ فسألني مندهشا .. كيف ؟؟ شانه شان الكثيرين من المثقفين الذين يعيشون بعيدا عن الساحل وما يجري فيه من نشاط ملاحي .

ولذلك اعتقد ان هذا السفر التوثيقي المهم الذي خطه عبد القادر أبو علي في شكل ذكريات ومؤانسات بطريقة فيها ما فيها من الطرافة والملاحة والسلوى سيكون مفيدا جدا حتى للمثقفين وأنصاف المثقفين .

هذا السفر التوثيقي المهم يقع في حوالي (٣٧٠) صفحة من القطع الكبير ، وهذا يعكس حجم المجهود الفكري الذي بذل في إعداده ، وفكرة الكتاب نفسها كما يرويها الكاتب تعود الى ان الأستاذ عبدالقادر أبو علي حينما أحيل للتقاعد ، وكان يلملم أطرافه ليرحل من المنزل الحكومي الى منزله الخاص جمع بعض الأوراق والمستندات والتذاكر السفرية وغيرها من الأوراق وأراد حرقها ، فجاء احد أصدقائه ونصحه بعدم حرقها وقال له : ربما تحتاجها في يوم ما ، فكانت هذه الأوراق الدليل والمستند والمرجع في هذا المخطوط العظيم الذي جاء في شكل ذكريات ومؤانسات ، ويبدو ان ذلك ترتيب رباني فلو لم يأتي هذا الصديق في ذلك التوقيت لما كان بين أيدينا هذه الإضافة العظيمة والنادرة للمكتبة السودانية .

الكتاب روائي قصصي شيق يجبرك على مواصلته للنهاية والأسلوب يجمع ما بين الطرافة والجدية مع عنصر التشويق ويغلب عليه أسلوب (أدب الرحلات) حيث يجعلك تجوب العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوب وأنت مستلقي أو متكئ ويحتوي على ما يحتوي عليه من ملامح ثقافات الشعوب وسُبل عيشها وتاريخها وارثها .

وما بين سطور الكتاب يكشف بجلاء ان الكاتب مثقف وموسوعي وإذا لم يخني التعبير فبعض الأحداث رواها على طريقة ( الشي بالشي ) يذكر ، وفي بعضها يعرج الى الجانب الاجتماعي أو السياسي أو حتى المهني فيروي الكثير حول حادثة معينة في كتابة بطريقة مُحكَمة يثبت فيها مرجعية بعض المعلومات على طريقة البحث العلمي دون ان يحيد عن الأسلوب القصصي الرائع . وما بين دفتى الكتاب خوض عميق في تاريخ الموانئ السودانية ومسيرتها وعلاقاتها الخارجية وتطورها بل وتراجعها في بعض الأحايين ، ذلك ان مرافقي الكاتب في رحلاته الخارجية من الشخصيات المينائية وهم أناس وضعوا بصماتهم كما الكاتب في مسيرة الموانئ السودانية في حقب زمنية مختلفة وتركوا إرثا زاخرا من التجارب للأجيال القادمة وقد قام الكاتب بالنيابة عنهم بتوثيق كل ذلك بين دفتى هذا المخطوط ، فاغلب السودانيين رغم عظم بعض تجاربهم لا يوثقونها والأستاذ المثقف حسين خوجلي _ اتفقنا معه أو اختلفنا _ يقول : ان من عيوب السودانيين إنهم لا يكتبون ولا يوثقون ، وإهمال التاريخ هذا يضيع الكثير من التجارب المهمة التي يمكن ان تكون نبراسا وهدى للأجيال القادمة .

مما ينقص المكتبة السودانية أدب الرحلات وهذا يعود الى ان معظم السودانيين كما ذكرت سابقا لا يوثقون تجاربهم وعلى هذا يمكننا القول ان هذا السفر مخطوط نادر وإضافة كبيرة للمكتبة السودانية خصوصا وانه يرتبط بنشاط ساحلي في جانب الاقتصاد الأزرق لا يتوفر على مستوى السودان إلا في ولاية البحر الأحمر في شرق السودان .

إن الكتاب خلاصة وعصارة لتجارب رحلات شملت أكثر من إثنين وعشرين دولة وتكررت الزيارات لعدد من هذه الدول لأسباب ومناسبات مختلفة ولذا كان الكاتب كالنحلة التى تنقلت وأخذت من رحيق متباين ومتنوع ومن بيئات مختلفة فأنتجت هذا المذاق الفخيم .

شكراً أستاذنا الكبير وخبيرنا المعروف عبد القادر أبوعلى فقد أسهمت فى إثراء المكتبة السودانية بهذا المخطوط فهو الأوحد من نوعه فى ثقافة إختص بها الساحل ومجتمع الموانى لذا أقول أسهمت فى إثراء المكتبة السودانية لأن هذا المخطوط هو فعلا ما كان ينقصها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى